سجلت أسعار الذهب في الأسواق المحلية ارتفاعًا ملحوظًا بنسبة 5% خلال تعاملات الأسبوع الماضي، بالتزامن مع صعود الأوقية في البورصة العالمية بنحو 4.5%، مدفوعة بزيادة الطلب العالمي، وتراجع الدولار الأمريكي، وانخفاض السيولة مع اقتراب نهاية تعاملات العام، بحسب تقرير منصة «آي صاغة».
وأوضح سعيد إمبابي، المدير التنفيذي للمنصة، أن أسعار الذهب محليًا قفزت بنحو 285 جنيهًا خلال الأسبوع، حيث افتتح جرام الذهب عيار 21 التداول عند مستوى 5790 جنيهًا، قبل أن ينهي التعاملات عند 6075 جنيهًا.
وعلى الصعيد العالمي، ارتفعت الأوقية بنحو 194 دولارًا، إذ بدأت التداولات عند 4339 دولارًا، وأغلقت عند 4533 دولارًا، بعد أن لامست مستوى قياسيًا عند 4555 دولارًا للأوقية.
وأضاف إمبابي أن جرام الذهب عيار 24 سجل نحو 6943 جنيهًا، فيما بلغ عيار 18 حوالي 5207 جنيهات، ووصل سعر الجنيه الذهب إلى نحو 48600 جنيه.
وأشار التقرير إلى أن أسعار الذهب في السوق المحلية حققت مكاسب إجمالية قدرها نحو 2335 جنيهًا، وبنسبة نمو تقارب 63% منذ بداية عام 2025، في حين ارتفعت الأوقية عالميًا بنحو 1909 دولارات، بما يعادل زيادة قدرها 73%، ليحقق الذهب بذلك أفضل أداء سنوي له منذ عام 1979. ويعزى هذا الأداء القوي إلى الارتفاع الكبير في مشتريات البنوك المركزية، في إطار تقليص الاعتماد على الدولار، إلى جانب تصاعد معدلات التضخم عالميًا، وتوجه البنوك المركزية نحو خفض أسعار الفائدة.
وذكر التقرير أن الذهب سجل مستويات تاريخية غير مسبوقة خلال الأيام الأخيرة من عام 2025، مدعومًا باستمرار الطلب القوي على المعادن النفيسة، وتزايد التوقعات بتخفيف السياسة النقدية من جانب مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، فضلًا عن ضعف الدولار وتصاعد التوترات الجيوسياسية، إلى جانب تدفقات استثمارية قوية، وهي عوامل دفعت الذهب والفضة لتحقيق مكاسب لافتة خلال الأسبوع الأخير من العام.
وساهم تراجع الدولار في تقليص تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بالذهب، في وقت حافظت فيه المخاطر الجيوسياسية على قوة الطلب، بينما أدت انخفاضات أحجام التداول خلال عطلات نهاية العام، لا سيما في أسواق آسيا والمحيط الهادئ، إلى تضخيم حدة التقلبات السعرية.
كما عززت مشتريات البنوك المركزية المستمرة، إلى جانب عودة الاهتمام بصناديق المؤشرات المتداولة المدعومة بالذهب (ETFs)، من موجة الصعود الحالية، مع اتجاه صناع السياسات إلى تنويع الاحتياطيات، وإقبال المستثمرين على التحوط من المخاطر وتقلبات أسواق الأسهم.
ويستفيد الذهب تقليديًا من تراجع العوائد الحقيقية وضعف الدولار الأمريكي، حيث أسهمت التخفيضات الأخيرة في أسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي، إلى جانب إشاراته المستقبلية، في خفض توقعات الفائدة، وتقليص تكلفة الاحتفاظ بالذهب كأصل غير مدر للعائد، ما دعم استمرار المكاسب خلال موسم الأعياد.
وفي هذا السياق، يرى بنك جولدمان ساكس أن الذهب يمثل أفضل رهان استثماري في أسواق السلع خلال عام 2026، مع توقعات بإمكانية تجاوز الأسعار مستوى 4900 دولار للأوقية، خاصة في حال توسع اتجاه تنويع المحافظ الاستثمارية ليشمل المستثمرين الأفراد إلى جانب البنوك المركزية.
وأوضح البنك أن الطلب القوي من البنوك المركزية سيظل المحرك الرئيسي لارتفاع الذهب، متوقعًا استمرار عمليات الشراء بمتوسط 70 طنًا شهريًا خلال عام 2026، بدعم من تصاعد المخاطر الجيوسياسية، ورغبة الدول، خصوصًا في الأسواق الناشئة، في تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي.
وأشار التقرير إلى أن خفض أسعار الفائدة الأمريكية المتوقع بنحو 50 نقطة أساس، إلى جانب ضعف الدولار وتراجع العوائد الحقيقية، يعزز جاذبية الذهب كأداة تحوط، في ظل تصاعد المنافسة الجيوسياسية والتكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين.
كما لفت جولدمان ساكس إلى أن مشاركة المستثمرين الأفراد لا تزال محدودة نسبيًا، إذ تمثل صناديق الذهب المتداولة نسبة ضئيلة من المحافظ الاستثمارية، ما يفتح المجال أمام موجة طلب إضافية قد تدفع الأسعار إلى مستويات قياسية جديدة.
وبحسب تقديرات البنك، قد يشهد الذهب تراجعًا مؤقتًا إلى قرب 4200 دولار للأوقية خلال الربع الأول من عام 2026، قبل أن يستأنف مساره الصاعد، مع إمكانية تسجيل قمم تاريخية جديدة والوصول إلى مستوى 4900 دولار بنهاية العام.
وعلى صعيد الاقتصاد الكلي، من المتوقع أن يسهم قطاع الذكاء الاصطناعي في تعزيز الإنتاجية والهيمنة على النشاط الاقتصادي، بما قد يجنب الاقتصاد الأمريكي الدخول في ركود خلال العام المقبل، إلا أن المخاوف المالية، واستقلالية الاحتياطي الفيدرالي، وتراجع الاعتماد العالمي على الدولار، مرشحة لإضعاف العملة الأمريكية في 2026.
وفي هذا الإطار، يرى خبراء اقتصاديون في بنك ويلز فارجو أن الاقتصاد الأمريكي سيظل محرك النمو العالمي في 2026، بما قد يدعم الدولار نسبيًا ويقوده إلى تحقيق ارتفاع طفيف بنهاية العام، مع توقعات بتداول مؤشر الدولار بين 98 و102 نقطة.
في المقابل، يعتقد بعض الاقتصاديين أن قوة الاقتصاد الأمريكي قد لا تكون كافية لدعم الدولار، في ظل خفض أسعار الفائدة واستمرار توجهات التنويع العالمي، مرجحين أن ينهي مؤشر الدولار العام بانخفاض يقارب 9%، دون مستوى 100 نقطة، خاصة بعد خفض الاحتياطي الفيدرالي للفائدة بنحو 75 نقطة أساس في النصف الثاني من 2025، مع توقع الأسواق، وفقًا لأداة CME FedWatch، تنفيذ ثلاثة تخفيضات إضافية خلال العام المقبل.
وقد شكل الأداء الضعيف للدولار دعمًا قويًا للمعادن النفيسة، حيث ارتفعت أسعار الذهب بأكثر من 65%، والفضة بأكثر من 100% خلال الاثني عشر شهرًا الماضية.
ويرى محللون أن البيئة الحالية، التي تتسم بخفض أسعار الفائدة والعجز الحكومي الكبير، تحد من قدرة الاقتصاد الأمريكي على تحمل معدلات فائدة مرتفعة، ما يفرض ضغوطًا إضافية على الدولار.
وفي ظل هذه الظروف، حتى مع استمرار النمو الاقتصادي، يُرجح أن يواصل الاحتياطي الفيدرالي سياسة التيسير النقدي، وهو ما قد يبقي الضغوط التضخمية مرتفعة ويؤدي إلى تراجع العوائد الحقيقية، بما يزيد من جاذبية الذهب كأصل نقدي وتحوطي، خاصة مع تنامي المخاوف من أزمة مالية أمريكية محتملة.
كما يتوقع محللو السوق تراجعًا أكبر في قيمة الدولار، في ظل المخاطر المرتبطة بديون الحكومة الأمريكية غير المستدامة، معتبرين أن العملة الأمريكية لا تزال مقومة بأعلى من قيمتها العادلة، وأن مراجعة الأوضاع المالية للولايات المتحدة قد تؤثر سلبًا على نموها الاقتصادي النسبي.
إلى جانب ذلك، يرى بعض المحللين أن تزايد المخاطر السياسية التي تهدد استقلالية مجلس الاحتياطي الفيدرالي يمثل عبئًا إضافيًا على الدولار في عام 2026، خاصة مع اقتراب انتهاء ولاية رئيس المجلس جيروم باول في مايو، وتوقع تعيين قيادة جديدة قد تميل إلى خفض أسعار الفائدة بقوة.
وفي المقابل، أكد بنك أوف أمريكا أن استمرار الدعم القوي لخفض الفائدة ليس مضمونًا إذا ظل النشاط الاقتصادي قويًا واستمر التضخم مرتفعًا.
وقال مارك كابانا، رئيس استراتيجية أسعار الفائدة الأمريكية بالبنك، إن التكهنات حول تغييرات واسعة في كوادر الاحتياطي الفيدرالي لا تزال قائمة، إلا أن غالبية المستثمرين لا يتوقعون حتى الآن تشكل أغلبية واضحة تدعم خفضًا حادًا للفائدة.
وعلى المدى الأوسع، تتزايد التوقعات بأن استمرار التنويع العالمي بعيدًا عن الدولار سيؤدي إلى تراجع مكانته كعملة احتياط عالمية، وهو اتجاه استفاد منه الذهب، ومؤخرًا الفضة، منذ عام 2022، مع لجوء العديد من الدول إلى تعزيز حيازاتها من المعدن النفيس.
ومنذ ذلك الحين، واصلت البنوك المركزية شراء نحو 1000 طن من الذهب سنويًا، مع توقعات بتباطؤ طفيف في وتيرة الشراء خلال العام الجاري لتتراوح بين 750 و900 طن، على أن تحافظ على مستويات قريبة من ذلك خلال عام 2026، بما يدعم استمرار الطلب القوي على الذهب في الأجل المتوسط.

