الرد على شبهة أخذ الرسول تعاليم الدين عن الراهب بحيري

لم يتوانَ المستشرقون وأعداء الإسلام في محاولة إيجاد تغرة ينفذون منها إلى أساسات هذا الدين لهدمه، ولكن دائما وأبدا لم يجد العلماء في دحض مزاعمهم جهدا لهوانها عند عرضها على الأدلة الشرعية والعقلية، ومن هذه القضايا التي زعمها أعداء الإسلام، أنّ التعاليم التي جاء بها النبي (صلى الله عليه وآله) أخذها عن الراهب المسيحي بحيرى، وبعد مرور ( 28 ) سنة أعلنها على المجتمع في مكّة.
والرد على هذا الكلام يأتي في:
إنّ هذه الشبهة لا تنسجم أساساً مع تاريخ حياة النبي ( صلى الله عليه وآله )، كما أنّ الموازين العقلية تكذِّبها، وإليكم الشواهد على ذلك:
أولاً: إنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) وباتِّفاق جميع المؤرّخين كان أُمِّياً، لا يعرف القراءة والكتابة، فهل يمكن أن يعقل من صبي لم يتجاوز عمره أربعة وعشرين عاماً، وفي سفرة محدودة أن يفهم حقائق التوراة والإنجيل، ومن ثم يقوم بصَبِّ هذه الحقائق في سن الأربعين بشكل شريعة سماوية متكاملة؟
بالطبع إنّ مثل هذا الأمر يعتبر أمراً خارقاً للعادة، وربما إذا أخذنا بنظر الاعتبار مقدار الاستعداد البشري فيمكننا أن نعتبره من المُحالات.
ثانياً: إنّ سفر النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان سفراً لأغراض تجارية، ولم يستغرق – ذهاباً وإياباً – أكثر من أربعة أشهر.
والمعروف أن لقريش رحلتان، رحلة الشتاء إلى اليمن، ورحلة الصيف إلى الشام، وعلى هذا الترتيب لا يمكن أن يعقل حتّى لأكبر عالم في الدنيا أنّ يتعلّم التوراة والإنجيل بهذه المدّة القصيرة، فكيف لصبي مثل النبي ( صلى الله عليه وآله )، لا يقرأ ولا يكتب .
ولم يرافقه ( صلى الله عليه وآله ) راهب في السفر بين مكّة والشام سوى بُحيرى الذي صادفه في إحدى منازل الطريق، ولم يقضِ معه إلاّ بضع ساعات.
ثالثاً: تؤكّد النصوص التاريخية على أنّ عمَّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) أبو طالب كان يريد منه مرافقته إلى الشام .
ولم تكن ( بصرى ) هي النقطة النهائية في الطريق، وإنّما كانت منطقة استراحة تقع في الطريق بين مكّة والشام، وتتوقّف فيها أحياناً بعض القوافل للاستراحة، ثم تواصل مسيرها.
فكيف استطاع النبي ( صلى الله عليه وآله ) تعلُّم التوراة والإنجيل في فترة الاستراحة التي لا تتجاوز بضعة ساعات ؟!
ولو فرضنا أنّ أبا طالب أخذ النبي (صلى الله عليه وآله) إلى الشام، أو عاد به إلى مكّة قبل الموعد المقرر، أو أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) عاد إلى مكّة مع شخص آخر.
فهذه الفرضية لا تصح، لأنّ هدف الرحلة وهدف أبو طالب لم يكن منطقة بصرى، لكي تكون منطقة استراحة يستطيع من خلالها النبي ( صلى الله عليه وآله) تحصيل المعارف.
رابعاً : لو كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد تعلَّم عند الراهب في بصرى، لكان هذا الأمر شائعاً، ومن المسلَّمات بين أوساط قريش في مكّة بعد العودة من السفر.
وبالإضافة إلى ذلك أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يستطع أن يدَّعي يوماً ويقول : أيها الناس، أنا أُمِّي لا أعرف القراءة والكتابة، بينما رسالته بدأت بعبارة : ( اِقرأ ) العلق : 1.
علماً أنّه لم نسمع بأحد قال للنبي ( صلى الله عليه وآله ): يا محمد، أنت تعلَّمت في سن الثانية عشر من عمرك في بصرى، عند الراهب بحيرى، وتعلَّمت كثيراً من الأسرار السماوية من عنده.
وكما نعلم أنّهم ألحقوا بالنبي (صلى الله عليه وآله) كثيراً من التهم، ودقَّقوا في القرآن كثيراً لكي يجدوا دليلاً يحتجون به على النبي (صلى الله عليه وآله).
حتّى إنّهم شاهدوه ( صلى الله عليه وآله ) يجلس مع غلام مسيحي في المروة – مكان في مكّة – فانتهزوا الفرصة، وقالوا بأنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) يأخذ تعاليمه من هذا الغلام.
وهذه التهمة عبَّر عنها القرآن الكريم قائلاً : ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ) النحل : 103 .
وخلاصة القول: إنّ قريش لم تدَّعِ ذلك مطلقاً، وهذا خير دليل على أن هذا الادِّعاء جاء به المستشرقون.
خامساً: إنّ ما جاء به من قصص الأنبياء ( عليهم السلام ) في القرآن ينافي الحقائق التي نقلها التوراة والإنجيل، بل إنّ ما جاء فيهما لا يتَّفق مع الموازين العقلية والعلمية، وهذا بحد ذاته دليل على أن ما جاء في القرآن الكريم لا يؤخذ من هذين الكتابين.
وإذا قلنا أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) أراد أن يخلط تعاليمه المتعلّقة بأخبار الأمم السابقة المأخوذة من كتب العهدين، فلابدَّ من أن تكون تعاليمه قد مُزجت بالخُرافات والأساطير.
سادساً: إذا كان راهب بصرى بهذه الدرجة من الاطِّلاع بالعلم والدين، بحيث أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) استطاع أن يغيِّر بهذه المعلومات التي اكتسبها منه مجتمع الجزيرة العربية، فذاع صيته في الشرق والغرب، فلماذا لم يشتهر هذا الراهب مثله، وهو معلِّمه الأوّل كما يدَّعون؟! .
ولماذا لم يربِّ هذا الراهب شخصاً آخر غير النبي ( صلى الله عليه وآله ) في الوقت الذي كانت منطقة بصرى محطّ أنظار الآخرين؟!.
سابعاً: إنّ الكتَّاب المسيحيين يصفون النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالصادق الأمين، والآيات القرآنية أشارت في مواضع متعدّدة بأنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) لا يعرف من أخبار الأنبياء السابقين شيئاً، وكل ما يعرفه عنهم هو ما أخذه عن طريق الوحي فقط، وليس هناك شيء آخر.