المقصود بقوله تعالى "قالت ربى إنى وضعتها أنثى"

يقول الله تعالى: "إذ قالت امرأة عمران رب إنى نذرت لك ما فى بطنى محررا فتقبل منى إنك أنت السميع العليم ، فلما وضعتها قالت ربى إنى وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإنى سميتها مريم وإنى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم" سورة آل عمران.
قال د. حسن وتد، أستاذ التفسير كلية أصول الدين جامعة الأزهر، إن هذه الآيات الكريمة فى سياق الآيات التى تحدثنا عن آل عمران وعن السيدة زوجة عمران وأم السيدة مريم هذه المرأة قد حملت وزوجها قد توفى وهى حامل فيما كان فى بطنها أرادت المرأة أن تهب ما فى بطنها لخدمة المسجد الأقصى فقالت "رب إنى نذرت لك ما فى بطنى محررا" محررا أى عتيقا خالصا من شواهى الدنيا مخلقا لخدمة بيت المقدس.
وأضاف: فدعت السيدة مريم الله عز وجل فتقبل منى يارب إنك أنت السميع العليم السميع لقولى العليم بحالى فأتمت المرأة حملها فلما وضعت ما فى بطنها قالت " رب إنى وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت " هذه الآية ربما تحدث لبسا عند بعض الناس وهذه الآية إنما وردت لتبين لنا أن المرأة قالتها على سبيل الاعتذار هى تعتذر لله سبحانه وتعالى فهى كانت تطمع وتطمح أن يكون ما فى بطنها ذكرا ولهذا نظرته لخدمة بيت الله الحرام فلما وضعت تبين أن الذى وضعتها إنما هى أنثى والأنثى لا تصلح لخدمة البيت فكأنها تعتذر لله سبحانه وتعالى فقال الله تبارك وتعالى لهذه المرأة وليس الذكر الذى طلبتيه مثل الأنثى التى أهديته لكى لأنه يقصد للخدمة والأنثى لا تصلح للخدمة لضعفها ولكونها عورة ولما يعتريها مما يعتري المرأة غالبا.
ويتساءل سائل متعجبا "هل القرآن يميز بين الأنثى والذكر ويقلل من شأن الأنثى ويرفع من قدر الذكر؟!" هذا الفعل غير صحيح وغير وارد بالمرة بل إن الله تبارك وتعالى يعطينا فى هذه الآية درسا إيمانيا ودرسا عقديا فى الإيمان بالقضاء والقدر وأن المسلم ينبغى أن يرضى بقضاء الله وقدره وكما قال أهل العلم عن الله تبارك وتعالى " من رضى بقدرى أرضيته على قدره " فالمرأة طلبت ولد أعطاها الله أنثى فهل عطيت الله لها أقل من طلبها؟ لا بل إن عطية الله للمرأة أعظم وأفضل وأكبر مما طلبت ، أكبر لأن هذه الأنثى التى ربما لم تطلبها المرأة ولم تتمناها ستصبح مميزة وتذكر فى القرآن فى مواضع متعددة وتذكر باسمها العلم، باسمها الصحيح الصريح سمته مريم.
وتابع ويخبرنا الله أن الله اصطفاها على نساء العالمين وطهرها وستصبح هذه الفتاة التى أنجبتها أما ً لنبى من أولى العزم من الأنبياء وهو نبى له مواصفات خاصة لم تحدث لغيره من البشر فالإنسان العاقل عندما ينظر إلى الآية ينظر إلى طلب العبد من الله وإلى عطاء الله للعبد فالمرأة طلبت ولد فالله أعطاها أنثى فى ظاهر الأمر تقول يارب كنت أريد ولد ولقد أعطيتنى أنثى والأنثى لا تصلح للخدمة فقال الله وليس الذكر الذى طلبتيه كالأنثى التى رزقتك بها لأن الولد قد يكون لخدمة البيت ثم يموت وينتهى الأمر إنما هذه الأنثى يخلد اسمها فى أقدس وأفضل وأخلد كتاب وهو القرآن الكريم ويظل الناس يقرؤون اسمها إلى أن تقوم الساعة وهذه الفتاة ستكون فى يوم من الأيام أما ً لنبى هو سيدنا عيسى عليه السلام وهو من أولى العزم من الرسل فهذا طلب العبد وعطاء الرب ، فكلام المرأة ليس من قبيل الإعتراض على عطاء الله ولكن كأنها تعتذر.
وأكمل " وإنى سميتها مريم " كلمة مريم معناها العابدة البتول الطاهرة فهى فى اللغة العربية مريم أى المنقطعة للعبادة فكأنها إختارت الإسم الذى يحقق أو يتناسب مع ما كانت قد نذرت الولد أن يقوم به وهو خادم وعابد فى بيت المقدس " وإنى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم " ولذلك ورد فى الحديث أنه " ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل فارقا ً إلا مريم وابنها " هذا الحديث رواه البخارى ومسلم فأى مولود يولد الشيطان يغمزه ولم يسلم من هذه المسالة إلا السيدة مريم وابنها سيدنا عيسى عليه السلام من الله .