الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

شجرة الدر..جارية أرمينية.. أعتقها السلطان الصالح نجم الدين أيوب وتزوجها..حكمت مصر 80 يوماً..وماتت ضرباً بالقباقيب


في مثل هذه الأيام تحل ذكرى واحدة من أشهر النساء في التاريخ العربي والإسلامي، وهي شجر الدر ، أو شجرة الدر ، الملقبة بعصمة الدين أم خليل، خوارزمية الأصل، وقيل أنها أرمينية .
وشجرة الدر كانت جارية اشتراها السلطان الصالح نجم الدين أيوب، وحظيت عنده بمكانة عالية حتى أعتقها وتزوجها وأنجبت منه ابنها خليل الذي توفي في 2 من صفر 648 هـ (مايو 1250م).. تولت عرش مصر لمدة ثمانين يوماً بمبايعة من المماليك وأعيان الدولة بعد وفاة السلطان الصالح أيوب، ثم تنازلت عن العرش لزوجها المعز أيبك التركماني سنة 648 هـ (1250م)، و لعبت دوراً تاريخياً هاماً أثناء الحملة الصليبية السابعة على مصر وخلال معركة المنصورة.
شجرة الدر كانت جارية من أصل تركي أو خوارزمي وقد تكون ارمنية. اشتراها الصالح ايوب قبل أن يكون سلطاناً, ورافقته في فترة اعتقاله في الكرك سنة 1239 مع مملوك له اسمه ركن الدين بيبرس. وأنجبت ولد اسمه خليل. لُقِبَ بالملك المنصور. وبعد ما خرج الصالح من السجن ذهبت معه إلى مصر وتزوجا هناك.
وبعد أن أصبح سلطان مصر سنة (1240 م) بقت تنوب عنه في الحكم عندما يكون خارج مصر. في أبريل 1249 م كان الصالح ايوب في الشام يحارب الملوك الايوبيين الذين ينافسوه على الحكم وصلته أخبار ان ملك فرنسا لويس التاسع، في طريقه لمصر على رأس حملة صليبية كبيرة حتى يغزوها، وفعلاً في يونيو 1249 م نزل فرسان وعساكر الحملة الصليبية السابعه من المراكب على بر دمياط ونصبوا خيمة حمراء للملك لويس، وانسحبت العربات التي كان قد وضعها الملك الصالح في دمياط للدفاع عنها فاحتلها الصليبيون بسهولة وهي خالية من سكانها الذين تركوها عندما رأوا هروب العربات.
حزن الملك الصالح وأعدم عدداً من راكبي العربات بسبب جبنهم وخروجهم عن اوامره، وانتقل الصالح لمكان آمن في المنصورة، وفي 23 نوفمبر 1249 م توفى الملك الصالح بعد أن حكم مصر 10 سنين وفي لحضة حرجة جداً من تاريخها، استدعت شجرة الدر قائد الجيش المصري "الأمير فخر الدين يوسف" ورئيس القصر السلطاني "الطواشي جمال الدين محسن"، وقالت لهم ان الملك الصالح توفى وأن مصر الآن في موقف صعب من غير حاكم وهناك غزو خارجي متجمع في دمياط، فاتفق الثلاثة ان يخفوا الخبر حتى لا تضعف معنويات العساكر والناس ويتشجع الصليبيون.
وفي السر ومن غير أن يعلم أحد نقلت شجرة الدر جثمان الملك الصالح في مركب على القاهرة ووضعته في قلعة جزيرة الروضة، ومع ان الصالح بن ايوب لم يوص قبل أن يموت بمن يمسك الحكم من بعده، فقد أرسلت شجرة الدر زعيم المماليك البحرية فارس الدين أقطاى الجمدار على حصن كيفا حتى يستدعي " توران شاه " ابن الصالح ايوب حتى يحكم مصر بدل أبوه المتوفي.
قبل أن يتوفى الصالح ايوب كان اعطى اوراق على بياض لشجرة الدر حتى تستخدمها لو مات، فبقت شجرة الدر والأمير فخر الدين يصدران الأوامر السلطانية على هذه الاوراق، وقالوا ان السلطان مريض ولا يستطيع مقابلة أحد، وكانا يدخلان الطعام للغرفة التي كان من المفروض ان يكون نائما فيها حتى لا يشك أحد، واصدرا امرا سلطانيا بتجديد العهد للسلطان الصالح ايوب وتنصيب ابنه توران شاه ولي عهد للسلطنة المصرية وحلفوا الامراء والعساكر.
لم تجد شجر الدرّ إزاء هذه المعارضة الشديدة بدًا من التنازل عن العرش للأمير عز الدين أيبك الذي تزوجته، وتلقب باسم الملك المعز، وكانت المدة التي قضتها على عرش البلاد ثمانين يوماً.
وإذا كانت شجرّ الدر قد تنازلت عن الحكم والسلطان رسمياً، وانزوت في بيت زوجها، فإنها مارسته بمشاركة زوجها مسئولية الحكم، فخضع هذا الأخير لسيطرتها، فأرغمته على هجر زوجته الأولى أمّ ولده علي وحرّمت عليه زيارتها هي وابنها، وبلغ من سيطرتها على أمور السلطان أن قال المؤرخ الكبير "ابن تغري بردي": “إنها كانت مستولية على أيبك في جميع أحواله، ليس له معها كلام.
ساعدت شجرة الدر عز الدين أيبك علي التخلص من فارس الدين أقطاي الذي سبب لهم مشاكل عديدة في حكم البلاد والذي كان يعد من أشرس القادة المسلمين في عصره، كما كانت لكلمته صدى واضح في تحركات الجند بكل مكان.
غير أن أيبك انقلب عليها بعدما أحكم قبضته على الحكم في البلاد، وتخلص من منافسيه في الداخل ومناوئيه من الأيوبيين في الخارج، وتمرس بإدارة شوؤن البلاد، وبدأ في اتخاذ خطوات للزواج من ابنة "بدر الدين لؤلؤ" صاحب الموصل. فغضبت شجر الدر لذلك وأسرعت في تدبير مؤامرتها للتخلص من أيبك فأرسلت إليه تسترضيه وتتلطف معه وتطلب عفوه فانخدع لحيلتها واستجاب لدعوتها وذهب إلى القلعة حيث لقي حتفه هناك في 23 ربيع الأول 655 هـ (1257م).
أشاعت شجر الدرّ أن المعزّ لدين الله أيبك قد مات فجأة بالليل ولكن مماليك أيبك لم يصدقوها فقبضوا عليها وحملوها إلى امرأة عز الدين أيبك التي أمرت جواريها بقتلها بعد أيام قليلة، فقاموا بضربها بالقباقيب علي رأسها وألقوا بها من فوق سور القلعة، ولم تدفن إلا بعد عدة أيام.
تحولت سيرة شجرة الدر إلى موضوع لفيلم سينمائي كان من أوائل الأفلام السينمائية في مصر، وقد اضطلعت فيه بدور شجرة الدر الممثلة السيدة آسيا، وعرض في كثير من الأقطار العربية في أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي، كما تطرق إلى قصتها الفيلم الشهير "واإسلاماه"، وجسدت فيه شخصية شجرة الدر الفنانة الراحلة تحية كاريوكا.