تقسيم الشرق الأوسط العربي؟!!

قسمت اتفاقية "سايكس بيكو" بين بريطانيا وفرنسا بتصديق من قبل روسيا القيصرية في عام 1916، الشرق الأوسط إلى الشكل الذي يعرفه العالم اليوم للدول العربية في آسيا، وقد كشفت الثورة البلشفية في روسيا تلك الخريطة للعرب والعالم، وفضحتها. حل هذا، في الوقت الذي اتفقت فيه بريطانيا مع الشريف حُسين، أثناء "الثورة العربية الكُبرى"، ضد الدولة العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى أيضا، في إطار ما عُرف "بمُراسلات حسين ماكماهون"، على منح العرب دولة مُستقلة كُبرى، تشمل كل الدول العربية في آسيا الآن، من البحر المتوسط شمالاً إلى بحر العرب جنوبا، حيث كان السير هنري ماكماهون، هو ممثل ملك إنجلترا في مصر، ما بين 1915 و1917.
في نفس تلك الأثناء، حدث "وعد بلفور"، في إطار الرسالة التي أرسلها آرثر جيمس بلفور، وزير خارجية بريطانيا ما بين 1916 و1919، إلى البارون ليونيل والتر روتشيلد، كبير يهود بريطانيا وقتها، في 2 نوفمبر 1917، لمنح يهود العالم، فلسطين وطنا قوميا لليهود، ليمنح أيضا "من لا يملُك من لا يستحق"، كما نُكرر عن حق، ولكن بعد نحو 100 عام من هذا الوعد.
لقد كان زمن انكشف فيه "التآمر"، ضد العرب، كما هو الآن، إلا أن تقسيمة الحدود التي رسمتها تلك المؤامرات في أول القرن العشرين، كانت في صالح "المُستعمرين القُدامى"، سواءً كانوا بريطانيا وفرنسا، ولم تعُد تخدم مصالح أمريكا، بعد أن انتصرت في الحرب الباردة، وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي وقيام روسيا الاتحادية، ولزم إحداث تقسيمة جديدة، تحل محلها، لسيطرة القوة الأمريكية على العالم كله.
وهكذا، كان "مشروع الشرق الأوسط الكبير"، ليخدم مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة وإسرائيل، بتقسيم الدول العربية في الشرق الأوسط، على أُسس عرقية ودينية، لتتحارب فيما بينها، وتتقسم على أُسس تضمن استمرار النزاع والصراع فيما بينها، خادمة بذلك الغرب الاستعماري، وعلى رأسه أمريكا، وحاميتها الصغيرة في المنطقة، إسرائيل، التي ما هى في الأصل، إلا فلسطين، ولتقوى إسرائيل في المنطقة على حساب ضعفنا نحن.
وبالتوازي مع ما قالته كوندليزا رايس عن "الفوضى الخلاقة"، فقد كتب الضابط الأمريكي رالف بيترز، كتابه الشهير "حدود الدم: كيف يُمكن أن يكون الشرق أوسط أفضل"، في العام 2006، وقال فيه بما معناه، أن الحدود بالشرق الأوسط رسمتها دول أوروبية مُنتفعة من تلك الحدود على شكلها الحالي، وهى حدود ليست عادلة، وفقا لما تحياه الأعراق والمواطنين العرب من مختلف الأديان فيها من حياة تُشارك فيها أعداءها، وعليه يجب أن يتجرع مواطنو تلك الدول "ألم ضروري أن يتحملوه" من أجل التوزيعة العادلة لتلك الحدود، بين دول صحيحة التقسيم والتركيب، بحيث يحيا فيها المواطنين بأسلوب يستطيعوا به التعايش والعيش الكريم.
ونفس هذا الرجل الذي قال تلك الكلمات وكأنه "يخاف على مصالحنا"، أي رالف بيترز، يتكلم اليوم في الإعلام العربي، مُحذرا العرب من المُخطط الأمريكي في تقسيم المنطقة، بينما هو من صاغ الفكر الخاص "بحدود الدم" كما أسلفت، وبذا يظهر، "توزيع الأدوار" من قبل أمريكا، للضحك على عقولنا، كما يحدث من توزيع أدوار المُتآمرين علينا في مصر، ما بين "يساريين" و"ليبراليين" و"إخوان"، وجميعهم إرهابيين!!
فهل نحن في إنتظار تقسيم المنطقة ما بين سُنة وشيعة وأكراد أم أننا سنُشارك في إعادة ترسيم حدود منطقتنا؟!
هناك من يُفترض أن يكونوا منا، ممن يُساهم في لعب دوراً "فعالاً" في خدمة الاستعمار الحديث، في إظهار الخلاف بين السنة والشيعة، مما يُساهم في إذكاء الخلاف بينهما، والعمل على إشعال تلك الحرب، ولكن مصر لا تدخل في حروبٍ دينية، ولكن حروب من أجل العدل والحق فقط. ومصر لن تدخل أبدا في حرب، من أجل الإعلاء من "أجندة صهيونية أمريكية" تُريد تقسيم المنطقة عرقيا ودينيا، لأن هذا قول حق يُراد به باطل!!
لقد أشار السيسي أكثر من مرة إلى أننا من سيرسم "الشرق الأوسط الجديد"، وقد بدا ذلك في التحركات المصرية على مستوى المنطقة منذ فترة، وما كان لها من قاعدة عسكرية في الإمارات وما كان لها من تواجد على مستوى إقليم الخليج العربي وما كان لها من تنسيق مع شتى الدول العربية في مواجهة ما وصف زورا وبُهتانا "بالربيع العربي"، وما هو إلا هجوم علينا و"ربيع عبري - أنجلو-أمريكي" باقتدار، ووفقا لحركة التاريخ السابقة عليه!!
إن هذا التقسيم الذي يتكلمون عنه، لن يحدث كما يحلمون به، واليوم تجرى معركة مُعلنة أو خفية، ما بين مشروعي "الشرق الأوسط الكبير" بقيادة أمريكا وأزلامها، ومشروع "الشرق الأوسط العربي" بقيادة مصر وحُلفائها، وإن شاء الله سنتتصر في تلك الحرب، التي نمتلك فيها مميزات أفضل، بحكم المكان والمكانة والمصلحة العربية المُشتركة ضد "الفعل الطائفي المُستغل للدين" بقيادة وتمويل أمريكا وحُلفائها، وكوننا نُحارب من أجل المواطن العربي ومصلحته أينما كان، وليس بحمل شعارات نعمل ضدها أو بوعود لن نُحققها أو باستيراد حلول لن تحل والمقصود بها فقط أن تزيد الطين بلة"!!
إن مصر تُحارب اليوم، وفي معيتها الكثير من العرب، وإن لم تكن أخي تشعر بالحرب اليوم، فستشعر بأثارها غدا، حيث لن يتم هذا التقسيم المزعوم، إلا بزوال من يريدون أن يُقيموه، لأنهم اليوم يخلقون إرهابا سيلتف ويصب عليهم جام غضبه، لأنه سيفشل ويواجه نارا حامية، حيث يُهاجم، لأن المصائر ليست بيد أمريكا وإسرائيل، ولكنها بيد الله!!
راقبوا جيدا ما يحدث، بديلا عن الاستسلام لتواكل لا يقوم به إلا المهزومون حقا، ومصر ليست منهزمة، ولكن بإذن الله منصورة، بحق تلك الأيام المُفترجة وذكرى العاشر من رمضان، السادس من أكتوبر المجيد حقا.
كل عام ومصر وكل المصريين بخير بمناسبة عيد نصر العاشر من رمضان.
وتحيا مصر حُرةً أبية