الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محافظة القاهرة وعشوائية القرار


يوم الأربعاء قبل الماضى استدعى نائب محافظ القاهرة بعض بائعى الكتب القديمة فى سور الأزبكية، وقال لهم إنه تقرر نقلهم إلى مكان آخر لم يحدده، لأن إدارة مسجد عماد الإسلام التابع للجمعية الشرعية طلبت إجراء توسعات جديدة، ولو كانت على حساب أرزاق آخرين يكسبون عيشهم فى المكان الذى يريدون التوسع فيه، وكان على السيد المحافظ قبل أن يستجيب لطلب المسجد أن يدرس الأمر من عدة جوانب، منها هل يحتاج ميدانا العتبة والموسكى اللذان يقع فيهما السور والمسجد إلى توسعات فى المسجد حتى ولو كانت من أجل إنشاء مشروعات اجتماعية، حسبما طلب المسجد من المحافظ، وما طبيعة هذه الخدمات والمستفيدين منها، وهل هذه التوسعات ذات حاجة ملحة أم أنها يمكن أن تنتظر لحين إعادة تنظيم الميدانين بصورة حضارية، وهو أمر مقرر لكنه مؤجل لحين هدم جراج الأوبرا وانتهاء مرحلة مترو الأنفاق من إمبابة للعتبة؟ وهنا يمكن البحث عن مكان آخر لائق وحضارى لسور الكتب القديمة، الذى يعتبر من الملامح التاريخية للمنطقة، وأيضا عن الصورة الحضارية لمسجد فى المنطقة يكفى المصلين المقيمين فيها.
كان على المحافظ قبل أن يتسرع فى قراره، الذى يتعلق بالصورة الحضارية لميدانين من أهم ميادين محافظة القاهرة، أن يذهب بنفسه لمعاينة الوضع على الطبيعة سواء بالنسبة للمسجد أو سوق الكتب القديمة، وأن يستطلع آراء الأجهزة الشعبية والتنفيذية وجهاز التنسيق الحضارى، ووزارة الثقافة على أساس أن لها ثلاثة مسارح فى المحيط المراد الاستيلاء عليه من القوى السلفية، لكنه آثر أن يسير على الطريق القويم وهو الرضوخ للسلفيين دون راد، وكأن طلباتهم لا ترد، وكأنهم فوق القانون على أساس أن لدينا قوانين تتعلق ببناء وتوسيع دور العبادة، وما يراد له التوسع ليس مسجداً لكنه دار للخدمات الاجتماعية يمكن إقامتها فى أى مكان وليس بالضرورة بجانب المسجد، خاصة أن الجمعية الشرعية التى يتبعها المسجد لها العديد من المساجد فى المحافظة يمكنها أن تقيم فيها مشروعاتها الاجتماعية.
وما نبغيه ليس منع توسعة المسجد، ولو كانت ليست بهدف إقامة الصلاة، وإنما ما نبغيه هو أن تكون القرارات مدروسة جيداً، وليست على حساب أرزاق الناس أو لقمة عيشهم، وأن يتعامل المسؤولون مع المواطنين سواء بسواء، فليس معنى أن تكون سلفياً أن ينصاع لك المسؤولون باعتبار أن هناك شهر عسل بين السلطة والتيارات السلفية، أو تنسيقا بينهم. بل يجب أن يعامل أى مسؤول المواطنين كلهم سواء.
كذلك يجب البحث عن تصورات تحقق عدة أهداف، فى مقدمتها ألا يجور طرف على طرف، وأن تكون نهائية وليست مؤقتة تتغير كل عدة سنوات، ذلك أن ما عاناه باعة سور الأزبكية منذ عام 1993 حتى الآن يشبه ما يعانيه أفراد فى أسطورة يونانية قديمة كتبت عليهم الآلهة أن يعيشوا فى الشتات، فمنذ ذلك الحين نقلوا من مكانهم التاريخى الذى كان بجوار المسرح القومى حتى ميدان الأوبرا إلى منطقة الدراسة، وبعد عدة سنوات وبعد انتهاء بناء محطة مترو العتبة أعادوهم إلى مكان مغلق عليهم طارد للزبائن، ثم تصوروا أن مأساتهم انتهت عندما خصصوا لهم المكان الحالى، الذى تم بناؤه بدعم من مؤسسة أغاخان، لكنه تحول إلى مرتع للبلطجة تحت حماية الشرطة، وفى غياب مسؤولى الحى والمحافظة، ثم جاءت النقلة الأخيرة لتعيدهم مرة أخرى إلى المربع رقم واحد.
وإنهاء هذه «التغريبة» يتطلب أن تعلن المحافظة تفاصيل المخطط الشامل لميدان العتبة المقرر أن تبدأ فيه بعد انتهاء خط إمبابة - العتبة، الذى بدأ العمل فيه بالفعل، فبإعلان هذا المخطط يمكن لأى طرف أن يعرف مصيره، وأن يصبر على وضعه الراهن لفترة زمنية معروفة ومحددة، ويتراضى كل الأطراف، لأنهم يعرفون أنهم لن يذهبوا إلى المجهول. فإذا لم تكن المحافظة قد بدأت بالفعل فى إعداد هذا المخطط فعليها أن تبدأ فوراً، وعليها أن تتوقف حتى إعلان المخطط عن القرارات العشوائية أو المؤقتة، لأن ذلك يمكن أن يزيد الوضع تعقيداً.
نقلا عن المصرى اليوم