السعودية جزء من الأزمة .. و إيران أيضًا !
روى الإمام أحمد في مسنده أن رسول الله –صلى الله عليه و سلم- قال :"ألا لا يمنعن أحدكم رهبةُ الناس أن يقول بحقٍ إذا رآه أو شهده ، فإنه لا يقرب من أجل ، و لا يباعد من رزق ، أن يقول بحق ، أو يُذَكِّرَ بعظيم" .
و عند الإمام ابن ماجة أنه –صلى الله عليه و سلم- قال :"لا يحقرن أحدكم نفسه ، قالوا : يا رسول الله ، كيف يحقر أحدنا نفسه ؟ قال : يرى أمرًا لله عليه فيه مقال ، ثم لا يقول فيه ، فيقول الله –عز و جل- له يوم القيامة : ما منعك أن تقول فيَّ كذا و كذا ؟ فيقول : خشية الناس ، فيقول :فإياي كنت أحقَّ أن تخشى" .
و انطلاقًا من هذين الحديثين الشريفين الصحيحين ، ننطلق لنقول ما نراه أنه الحق غير آبهين لقول أحد أو للوم الناس ، غير راغبين إلا وجه ربنا الكريم سبحانه .
ما أن حطَّ قطار الربيع العبري المشئوم (ربيع نتنياهو) بمحطة سوريا الحبيبة ، و ذلك في شهر مارس من عام 2011 م ، إلا و رأت سوريا ويلات و ويلات و خراب يتبعه دمار ، على أيدي أبنائها و غيرهم من شذاذ الآفاق الذين طاروا إليها زرافات و وحدانا ، و جاءوها من كل حدب و صوب .
إلا أن الأمر في حقيقته كان مختلفًا في بداية أمره في سوريا ، فقد نجحت تلك الثورات العبرية قبل أيام قلائل من نشر الفوضى في تونس و مصر و استدعت قوات حلف "الناتو" الإرهابية بمباركة الجامعة العربية لتدمير ليبيا و الاستيلاء على ثرواتها ، و ذلك كله تحت شعارات كاذبة خاطئة من أمثال (العيش ، الحرية، و العدالة الاجتماعية) ، و هو ما شجع أرباب تلك الثورات على تكرار تلك المسرحية الرخيصة في سوريا .
و بالفعل ما أن أعطيت إشارة البدء و حُدد موعد الانطلاق و حدد المجهولُ ساعة الصفر في سوريا ، حتى انطلق مظاهرات تدعو للتغير و إسقاط النظام ، على غرار كما حدث في الدول آنفة الذكر !
إلا أن هذه الخطة سرعان ما بدا للعيان أنها فاشلة في سوريا لا محالة ، و ذلك نظرًا لاختلاف الواقع السوري عما سواه من المجتمعات العربية التي استهدفها ذلك الربيع العبري .
فالواقع الاقتصادي و المستوى المعيشي بل و الواقع السياسي في سوريا يختلف تمامًا عن واقع الدول آنفة الذكر .
و لهذا لما خرجت التظاهرات المطالبة بالتغيير لم تجد مردودًا لدى المواطن السوري ، بل وجدت تفاعلًا عكسيًا بأن خرجت مظاهرات مضادة لها داعمة للنظام كانت تتساوى من حيث العدد و التأثير و القبول لدى السوريين ، بل تزيد عن المظاهرات المطالبة بالتغيير و التي بدأت تنحسر شيئًا فشيئًا حتى كادت تتلاشى .
و هنا كان بد من الانتقال إلى الخطة(ب) أو الخطة البديلة و التي دائمًا ما تكون معدة و جاهزة .
ليُكتشفَ فجأةً –وبقدرة القادر- أن "بشار الأسد" نجل "حافظ الأسد" و الذي ظل معارضوه يصفونه و من قبله أبيه و على مدار أربعين سنة ، بأنه :"بعثي ، علماني ، عدو الدين"! ، إذ به ينقلب إلى النقيض، ليتحول إلى :" رجل دين نصيري ، علوي ، شيعي ، كافر" ، و ما ذاك إلا ليُرفع شعار الطائفية ، فتكون السنية في مقابل الشيعية ، بدلًا من الديموقراطية في مقابل الاستبداد .
كانت الطائفية هي السبيل الذي استطاع من خلاله الربيع العربي أن ينفذ إلى الهدف المنشود بخراب سوريا و تقسيمها و القضاء على جيشها ، و ثم تسليمها فريسة سهلة و غنيمة باردة و لقمة سائغة لإسرائيل لتحقق بذلك حلمها الشيطاني الخبيث القديم المتجدد بـــ "إسرائيل الكبرى من نهر النيل إلى نهر الفرات" .
و نجحت الخطة و انطلقت بالفعل شرارة الطائفية المصطنعة البغيضة في سوريا لتتحول بسببها أرض الشام الحبيبة إلى ساحة للحرب الباردة بين السعودية و إيران ، و لكلٍ مناصريه ممن يدعهم و ينصرهم على الآخر ، و الخاسر الوحيد في ذلك كله هو الوطن "سوريا" و الذي تحول على أيدي أشرار الأرض إلى كومة كبيرة من الخراب ، يحتاج إلى عشرات السنوات ليعود إلى حالته التي كان عليها قبلُ ، هذا إن عاد !
دخلت المملكة العربية السعودية بكل ثقلها و رمت نفسها بمنتهى القوة في سوريا و دعمت-و بعض الدعم إثم- دعمًا معلنًا و خفيًا جماعات إرهابية تحت مسميات شتى بعضها سمى نفسه الجيش الحر – وكذبوا ، إذ لو كانوا أحرارًا ما دمروا بلادهم- ، و أخرى تسمت جبهة النصرة – و صدقت فهي نصرة ، و لكنها نصرة لإسرائيل و أحلامها- .
يعلم القاصي و الداني – بل و لا تخفي السعودية ذلك - حجم الدعم الذي تنفقه المملكة للمجموعات الإرهابية في سوريا ، سواء أكان دعمًا ماديًا أو لوجستيًا أو دعمًا بالعدد و السلاح أو توفير الغطاء السياسي و الأخلاقي بل و الديني لهذه المجموعات ، و هو أمر غير مقبول مهما كان المبرر ، إذ أن هذا الدعم السعودي المعلن –وما خفي منه أعظم- يعمق تلك الأزمة–ولا شك- و يزيدها و يجعلها عصية على الحل ، و يجعل السعودية جزءًا من الأزمة السورية ، لا جزءًا من الحل في سوريا .
فانطلاقًا من قول الحق من غير خوف لوم اللائم الذي بدأنا به كلامنا ، فإننا ندعو إخواننا و أشقائنا في المملكة –و الذين نُكِنُّ لهم كل محبة و إخلاص- أن يتوقفوا و فورًا عن شتى أشكال الدعم للمجموعات الإرهابية في سوريا ، ذلك أنه من يدعم الإرهاب لابد و أن يتذوق مرارته يومًا ما .
كما أنني أقرر أن إيران أيضًا تعد جزءًا أصيلًا – بل هي الجزء الأكبر - من الأزمة في سوريا و أن تواجدها سواءً كان تواجدًا مباشرًا عن طريق الحرس الثوري و غيره أو غير مباشر عن طريق حزب الله اللبناني أو غيره ، يعد ترسيخًا للطائفية ، و إزكاءً للحرب و تزكية لها ،و تبريرًا لوجود الحرب و استمرارها .
و أن على إيران أن تنسحب فورًا من سوريا إن كانت تريد حلًا و لا أظنها تريد .
و الخلاصة أنه كما أن على السعودية أن تكف يدها تمامًا عن دعم المجموعات الإرهابية في سوريا ، فإنه على إيران أيضًا أن تنسحب هي الأخرى و فورًا من سوريا ، و إلا فإنه لا حل يلوح في الأفق ، مادامت السعودية و إيران جزءًا من المشكلة و ليستا جزءًا من الحل .