الحكمة من تأجيل الله عقاب «الظالمين» إلى اليوم الآخر

يخبرنا الله فى كتابه العزيز أنه تعالى لا يتغافل ولا ينسى ما يفعله الظالم ولكنه يتركه ويمهله حتى تكثر عليه ذنوبه ثم بعد ذلك إذا جاء وقت الحساب سيحاسبه على كل أفعاله وأقواله وسيجزيه بما يستحقه من عقاب على ظلمه، وذلك مصداقا لقوله تعالى: «وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ»، سورة إبراهيم: آية 42.
وقال الإمام محمد متولي الشعراوي، في تفسيره للآية الكريمة، إن المقصود من قول الله تعالى: «وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا»، أي لا تظن - من الحُسبان وهى نسبة كلامية غير مجزوم بها ولكنها راجحة، أن الله غافل، فالغفلة التي ينفيها الله عنه هي السهو عن أمر لعدم اليقظة أو الانتباه.
وأشار إمام الدعاة أن الله تعالى يوجه الخطاب هنا لرسوله والمؤمنين معه أن الذي يفعل ظلما سيتلقى عقابا عليه وحين يتأخر العقاب يتساءل الذين رأوا فعل الظلم هل تم نسيان الظلم الذي ارتكبه فلان؟ هل هناك غفلة في الأمر؟ وهم في تساؤلاتهم هذه يريدون أن يعلنوا موقفهم من مرتكب الذنب وضرورة عقابه.
وتابع: «أنه ليست هناك غفلة ولكن هناك تأجيل للعقوبة لهؤلاء الظالمين، ذلك أن الظلم يعني أخذ حق من صاحبه وإعطاءه للغير أو أخذه للنفس، وإذا كان الظلم في أمر عقدي، فهو الشرك وهو الجريمة العظمى وإن ظلمت في أمر كبيرة من الكبائر فهذا هو الفسق، وإن ظلمت في صغيرة فهو الظلم».
وأضاف الشعراوى فى تفسير الآية أن قوله عزوجل: «عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ» ذكر فيه العلماء أن هناك فَرْقاً بين عمل وفعل، فالفعل هو أحداث كل الجوارح، فإن الذي يكب الناس على مناخرهم في النار إنما هو حصائد ألسنتهم والفعل والقول يجمعهما كلمة "عمل".
واستطرد: «أن هنا يقول الله "يَعْمَلُ" ذلك أن المشركين الذين استقبلوا القرآن كانوا يرجفون بالإسلام وبالرسول -صلى الله عليه وسلم- بالكلام وكل الأفعال التي قاموا بها نشأت عن طريق تحريض بالكلام، فإن هذه الآية تؤكد أن الله يُمكّن لهم الذنوب ليُمكن لهم العقوبة، وقوله: «تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ» يعني يتفتح فيه نظره بصورة لا يتقلب بها يمنة أو يسرة من هول ما يرى.