عبد الناصر ليس سبب النكسة يا شيخ

أحد مشايخ التنظيمات الإسلامية كالعادة هاجم الرئيس عبد الناصر مؤخرًا واستكثر أن يُطلق اسمه على حاملة الطائرات ميسترال ، ضمن مسلسل لا يتوقف عنوانه كراهية هذا الرجل.
بغض النظر عن مكانة هذا الزعيم الكبير وحب المصريين والعرب الجارف له فى مقابل كراهية الصهاينة والغرب له ، لنعاين هذا النموذج المصغر الذى يمثل عبد الناصر أحد طرفيه ، والذى استغرق جهده ليقبل الإخوان بالجانب الشعبى المُهتم بالناحية الدينية والأخلاقية والتربوية فى الثورة ، بل عرض نفسه للإهانة مرارًا أمام استعلاء المرشد – الذى استعلى قبله على الملك ووضع صورته التى أهداها له فى الحمام بشهادة محمود جامع - فى اجتماعات التشاور ، فكان يدوس على كبريائه ويهدئ صلاح سالم من روعه ، وما وصل إلى خيار المعتقلات إلا بعدَ أن اتضحَ له أنهم بين خيارين إما رأس الضباط أو إعادتهم إلى الثكنات صاغرين.
وبعد زوال الفرص ضمن نوبة ندم مكتومة لا تقدم ولا تؤخر يعترف مؤرخ الإخوان محمود عبد الحليم بأن " شخصية عبد الناصر كانت تستحق منا دراسة وعناية فى التعامل معها أكثر مما كنا نوليها " !
الرجل سعى للتعاون بكل السبل ، حتى فى مرحلة التأديب بالسجون من أجل إعادتهم بالقسوة لجادة الصواب بعد أن اتضح له أنهم لا يجهزون له ولرفاقه سوى النعوش ، ترك الباب مفتوحًا للعودة للراغبين فى التعاون بعد التأمل والمراجعة داخل السجن ، وخرج الكثيرون من المعتقلات مقتنعين بفكرة العمل فى إطار الدولة، تأكيدًا لما ذهب إليه أحمد رائف بقوله : " كان المرشد الهضيبى فى واد وكل الإخوان المسلمين فى واد آخر بالنسبة لنظرتهم إلى جمال عبد الناصر والثورة " .
هذا يدل على أن قطاعًا كبيرًا من الاخوان كان مع فكرة التكامل مع عبد الناصر والثورة ، وحجزتهم إرادة القيادة المتمثلة فى الهضيبى ، الذى اختار النزاع إلى النهاية ، فضلًا عن مغزى التوقيعات التى جمعها البهى الخولى لخلع المرشد ، حيث ذهب البعض أنها شملت أعضاء الهيئة التأسيسية جميعًا .
فشل عبد الناصر فى إحراز التحالف مع قيادة الإخوان التى اختارت المناورة بعد أن رفضت حل تشكيلات الإخوان فى الجيش وحل الجهاز السرى ، حيث رأى عبد الناصر ألا مبرر لوجودهما بعد قيام الثورة ، لكنه من جهة أخرى أراد للتجربة أن ترى النورَ بشكل أو بآخر ؛ فكان تعاونه وتحالفه مع بعض رموز الإخوان مثل الباقورى والبهى الخولى وعبد العزيز كامل ، الذى أثمر نجاحات محدودة بلا شك ، لكنها دالة للدارس على تصور مدى حجم الإنجازات الضخمة على المستوى المحلى والإقليمى والدولى والعربى فيما لو كان التحالف شاملًا جامعًا كليًا ، ليخدم المصريون قضاياهم المشتركة التى تصب فى النهاية فى مصلحة الإسلام والوطن ، واقفين جميعًا على قلب رجل واحد فى وجه التحديات .
إذن هناك أرضية مشتركة يمكن الوقوف عليها مع عبد الناصر ورجال الثورة ، وقضايا كبيرة كالعدالة الاجتماعية والمساواة والاستقلال ورفض الهيمنة الأجنبية والاستعلاء الصهيونى ، والسعى لوحدة وتعاون العرب ، من الممكن أن تستوعب التيارين فى فريق متجانس بلا إقصاء ولا تخوين ولا مزايدة على إسلام أو وطنية .
هذا بناء وضع حجر أساسه عبد الناصر وبعض رموز الإخوان العقلاء الوطنيين فى الخمسينيات ، ولم ينل من الإهتمام سوى زيارات خجولة ودعوات غير مؤثرة - لكونها انطلقت من خارج البلد الأم - ، كدعوات وجهود خير الدين حسيب فى لبنان وما تم من تأسيس للمؤتمر القومى الإسلامى .
لكن ظل حجر الأساس الذى وضعه عبد الناصر بلا بناء حقيقى ، وربما اندثرت معالمه وعصفت به الأحداث التى قادها رموز المفاصلة والشيطنة ، الذين رفضوا حاكمًا صوروه خائنًا لعهدهم حتى لو حكمهم بالشريعة ، تلك المفاصلة التى كانت السبب الحقيقى فى النكسة لأنه كان هناك قطاع فى الداخل يكره عبد الناصر كراهية الغرب وإسرائيل له .. فماذا لو كانت مصر موحدة يومها فى مواجهة التحديات؟