الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الإبداع فى الحلول الاقتصادية


لو أن مركب فى محيط مليء بالأمواج العاتية وعلى متنها قبطان قرر أن يقودها بمفرده دون مساعدة من أحد، ويوجد على متن هذا المركب عدد كبير من الركاب، معظمهم لا يعرفون شيئًا عن قيادة المركب ولا عن قدرتها على تحمل قوة هذه الأمواج العاتيهة، وفجأة ضربتها عاصفة كانت متوقعة، والقبطان قرب إليه كل من يصفقون له على أى قرار واستبعد كل من يناقشه أو يعارضه، حتى شارفت المركب على الهلاك، ربما بدعوى رغبته فى التركيز فى عمله بعيدًا عن أى نقاش أو صراع يُعطله، فهل من المنطقى أن يصر القبطان على اختياراته والمركب تغرق؟ بالتأكيد أى شخص طبيعى سوف يراجع نفسه ويراجع اختياراته كى تظل المركب طافية على سطح البحر.

وهذه الأيام تطالعنا معظم وسائل الإعلام ببعض فواجع أرقام المركب الاقتصادى المصرى -إن جاز التعبير- وحجم العجز الرهيب فى الموازنة العامة للدولة والزيادة التاريخية فى حجم الديون الخارجية والداخلية على حد سواء، وذلك من خلال تصريحات وحوارات ولقاءات مع بعض المسئولين، وكلها تأخذك الى استنتاج واحد لا ثانى له، وهو أننا اما أمام مشكلة اختيارات غير مناسبة فى أدارة الملف الاقتصادى لمصر ، سواء كانت هذه الاختيارات فى مستشارى الرئاسة أو وزراء الحكومة أو الاثنان معًا، أو أن هذه الاختيارات كانت مناسبة لمرحلة ما، لكنها اليوم غير قادرة على التعامل مع ما وصلت اليه الأوضاع الاقتصادية فى مصر من تدهور، ولذا وجب التغيير.

والتغيير والتبديل فى مواقع المسئولية وفى المناصب السياسية هو سنة الحياة فى كل دول العالم المتحضرة التى تحكمها مؤسسات حكم حقيقية مخلصة لشعوبها التى اختارتها، فالتغيير دليل قوة الشعوب والحكام معًا، تجيء الحكومات وتذهب حسب ما تحققه لشعوبها من رفاهية، أما الدول التى يحكمها أفراد فتجد وضعها الاقتصادى يتدهور يومًا بعد يوم، ورغم ذلك يصرون على نفس الشخوص ونفس الاختيارات والاستماع إلى نفس الاستشارات التى أخذتهم الى القاع.

فبريطانيا بمجرد تصويت الناس فيها على الخروج من الاتحاد الأوروبى أعلن ديفيد كاميرون رئيس وزراءها استقالته مباشرة، معللًا ذلك بأن البلاد تحتاج الى قيادة أخرى غيره للتفاوض على آليات الخروج، فإحساس الرجل بالمسئولية وبحساسية الوضع القادم جعله يتخذ هذا القرار، وعلى النقيض من ذلك نجد فى مصر وضعنا الاقتصادى كل يوم يمضى هو أفضل مما يليه وكل الشخوص التى لها علاقة مباشرة بذلك فى أماكنها، لا تسمع سوى حديثهم عن ما وصلنا اليه على أيديهم، وحقًا لا أعرف لماذا يترك الرئيس هؤلاء فى أماكنهم؟ فهل عقمت مصر من أنجاب عقول قادرة على إعادة الاستقرار للاقتصاد وتقليل العجز فى الموازنة وتخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين؟ بالتأكيد لا.

ولذا يبدو لى وأنا بعيد عن دائرة صنع القرار أن السيد الرئيس بحاجة إلى البحث عن مستشارين جدد وعن وزراء جدد للمجموعة الاقتصادية اليوم قبل الغد، فكل ساعة تمر هى ساعة تأخذنا للأسفل، وسنحتاج لساعات مقابلها كى نعود الى نفس المكان مرة أخرى، فلا المشكلة الاقتصادية التى تواجهنا اليوم بشيء جديد على العالم، ولا هى بالكارثة التى لا حلول لها، ولكنها مشكلة بحاجة إلى عقول قادرة على الإبداع فى الحلول الاقتصادية، وفى نفس الوقت تمتلك من الزهد فى المناصب ما يجعلها قادرة إلى طرح الحلول العملية دون خوف من أن تفقد منصبها إذا لم يعجب الرئيس أو رئيس الوزراء ما تقترحه، فعندما تشارف المراكب على الغرق فالوقت لا يكون إلا للأقوياء المحترفين والمخلصين لأوطانهم لا للضعفاء المتعلقين فى مناصبهم من رقابهم، وللحديث بقية إن شاء الله.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط