الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خطايا مشروع قانون الصحافة والإعلام


يتصور البعض، خطأ، أنه بإقرار مشروع قانون الصحافة والإعلام الموحد، الذى أعدته لجنة الخمسين، ورفعته إلى الجهات المعنية للنظر فيه، تمهيدا لإقراره من المجلس النيابي، يتم القضاء على ما يراه البعض جزءا من الانفلات الصحفى، وكلا من الفوضى الإعلامية.

ومن أسف أن من بين المنادين لسرعة إقراره، نقابة الصحفيين، التى شاركت بشكل أو بآخر فى صياغة المشروع، وذلك بمساهمة النقيب الزميل الفاضل يحيى قلاش فى أعمال لجنة الخمسين المكلفة بوضع المشروع، حتى اعتذر عن المشاركة فيها بعد إعلانه الترشح لمنصب النقيب فى الانتخابات التى جرت العام الماضى، وكذلك المجلس الأعلى للصحافة، الذى ينادى هو الآخر بسرعة اقرار مشروع القانون، وله الحق فى ذلك نظرا لمشاركة الأمين العام الزميل صلاح عيسى وبشكل فعال فى أعمال لجنة الخمسين ، بجانب رئيس وأعضاء من المجلس.

والحقيقة أن ذلك التصور ليس فى موضعه، لأن حالات الانفلات التى أصابت بعضا من الصحافة، والفوضى التى لحقت بالإعلام، ليس مردها عدم إقرار القانون، نظرا لوجود قوانين فعلية لضبط الأداء الصحفى والإعلامى، مثل قانون تنظيم الصحافة 96 لسنة 1996، وقانون نقابة الصحفيين 76 لسنة 1970، وميثاق الشرف الصحفى، هذا فيما يتعلق بالصحافة، أما فيما يتعلق بالإعلام فهناك قرارات من غرفة صناعة الإعلام ليس معمولا بها، نظرا لسيطرة رأس المال الخاص عليه ومن ثم فتح المجال أمام حالات من المجاملات الخاصة، بجانب توسع البعض منها فى نفاق السلطة والمبالغة فيها، وهنا لا نقصد السلطة الحالية، وإنما الحالية والتى سبقتها.

ومشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام الموحد – عندى – يأتى ليزيد الطين بلة، فلن يكون كفيلا بحل أزمات الصحافة والإعلام، بل يزيدها عددا وتعقيدا ، وذلك لأسباب كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر، أنه جاء بمثابة مشروع قانون لتنظيم الصحافة المملوكة للدولة، وانصبت كل نصوصه فى هذا الاتجاه، وتجاهل الصحف الخاصة والحزبية، والتى تمثل أكثر من 50 بالمائة من الصحافة المصرية، ليكون مشروع القانون تأكيدا على هيمنة السلطة التنفيذية على الصحافة، باعتبارها مملوكة للدولة.

وعندى أيضا أن مشروع القانون حمل كثيرا من الخطايا بحق الصحفيين، وبحق المهنة، فجانب العوار الدستورى الذى يصيبه، نظرا لتعارضه مع نصوص الدستور التى تحدثت عن تشكيل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام، وما يعنيه الأمر من وجود قانون لكل جهة، بعد أن جاء مشروع القانون بوحدة متكاملة للجهات الثلاث، فإن تمييزا آخر – وان شئت قل خطايا – حمله المشروع، وهو التمييز بين الصحفيين، على أساس الانتماء المؤسسى، فقد أعطى ميزات فى الحقوق، للصحفيين بالمؤسسات المملوكة للدولة، ولم يتعلق ذات الأمر بغيرهم من الصحفيين فى الصحف الخاصة أو الحزبية.

ومن بين الخطايا أيضا، أن تشكيل الهيئة الوطنية للصحافة، والتى من المفترض فيها أنها تتعلق بكل أعضاء نقابة الصحفيين، التى لا تميز فى العضوية بين الصحفيين فى المؤسسات المملوكة للدولة وبين غيرهم فى المؤسسات الخاصة والحزبية، جاء التشكيل خاليا من تمثيل الصحفيين المستقلين أو الحزبين واقتصر على الصحف المملوكة للدولة، حتى فى الجزء المتعلق بحق اختيار نقابة الصحفيين لبعض من أعضاء الهيئة، فقد جاء المشروع ليفرض على النقابة أن تختارهم من بين العاملين او المنتمين للصحف المملوكة للدولة.

ومن أفدح الخطايا التى جاء بها المشروع أنه أبقى على عقوبة حبس الصحفيين فى قضايا النشر، حينما استبدل الحبس بالغرامة التى تصل الى نحو 300 ألف جنيه، وهى القيمة التى يعجز الصحفى عن سدادها، وتمتنع مؤسسته عن سدادها خاصة المؤسسات الحزبية والخاصة، مما يعنى فى النهاية الوصول الى الحبس لعدم سداد الغرامة.

بجانب ما سبق فقد جاءت اختصاصات الهيئة الوطنية فى مشروع القانون فى 18 بندا ليس من بينها بند واحد يتحدث عن حقوق الصحفيين غير العاملين بالمؤسسات المملوكة للدولة.

ومن بين الخطايا أيضا عملية التمييز الفجة التى مارسها مشروع القانون بين الصحف المملوكة للدولة، وغيرها من الصحف الحزبية والخاصة، حيث حرم الأخيرة من مميزات للأولى منها إعفاء الهيئة الوطنية للصحافة، وكذلك المؤسسات الصحفية المملوكة للدولة من الضرائب، والرسوم الجمركية على مستلزمات الانتاج التى يتم استيرادها، سواء كانت معدات، أو وسائط، أو أى أجهزة تلزم نشاط تلك الصحف، ما يعنى فرض مزيد من القيود على عمليات أداء وتطوير المؤسسات الخاصة والحزبية التى تعانى بالأساس من أزمات مالية.

خطايا مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام كثيرة، ولا يتسع المكان لسردها، ويمكن تناولها فى مقالات أخرى، غير أن مطالبات البعض، ومن شديد الأسف، وكما أسلفنا الحديث، منها نقابة الصحفيين، بضرورة اقراره بالصورة الحالية يؤكد أن هناك مشاركة فى جريمة بحق الصحفيين، إذا تم اقرار المشروع بذات الصياغة التى هو عليها الآن، والتى للأسف أيضا، لا يعلمها كثير من الصحفيين وأبناء والمهتمين بالمهنة.

وإذا كانت الدولة، ومعها الجهات المعنية بشئون الصحافة والإعلام، تريد خيرا للبلاد والعباد، فان مشروع القانون فى حاجة الى إعادة نظر موسعة، يشارك فيها الجميع، دون التأكيد على عبارات يرددها البعض، تلقى بمسئولية عدم عرضه على الجماعة الصحفية، بأنها مسئولية نقابة الصحفيين، فخطايا المشروع حال اقراره لن تتوقف سلبياتها عند جهة معينة وانما يدفع ضريبتها العباد قبل البلاد.

وقلت آنفا وأكرر، أن مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام بصيغته الحالية جريمة كبرى بحق الصحفيين المصريين ، لن يغفرها التاريخ لكل من ساهم فيها ، عن قصد أو عن غير قصد، وهو ما يتطلب نقاشا موسعا قبل أن توافق عليه الحكومة وترفعه للمجلس النيابى لإقراره.. وللحديث تكلمة إن كان فى العمر بقية..
==========
* كاتب وصحفى مصرى
[email protected]
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط