شكلنا كده بدأنا طريق التنمية

طبعًا اللي هيقرا العنوان هايقول، صباح التطبيل، ولكن من يعرفني يعلم تمامًا إنني بعيدة كل البعد عن التطبيل، فما سأتحدث عنه لا علاقة له بالتطبيل لا من قريب ولا من بعيد.
الموضوع إنني بدأت منذ عام 2009 رحلة البحث عن موضوع لرسالة الدكتوراه الخاصة بي، بصراحة كان شغلي الشاغل هو ماذا فعلت الدول المتقدمة لتصل إلى هذا التقدم، وصلت إلى إنهم بيطبقوا فكر التنمية المستدامة، فبدأت التعمق لأصل إلى أجندات الأمم المتحدة ومؤتمرات، ولقيت الموضوع وسع.
قلت طيب اخد جزء واحد من اللي بيتكلموا عليه ده وبيحقق فكر التنمية المستدامة، طيب؛ بيعملوا إيه، لقيتهم بيهتموا بتدوير المخلفات، وإعادة تدوير المياه، وتخفيض الفاقد إلى أقل المستويات.
بس مسكت في الموضوع، وبدأت أحط ملامح، بصراحة الموضوع لقيته قلب على كلية الهندسة، ونظم معالجة المياه، إشي محطات معالجة ثنائية واستخدامها في الزراعة، وإشي محطات معالجة ثلاثية وإعادة استخدام مياه الصرف في الشرب، زي سنغافورة كدة.
طب وبعدين ده أنا كده الموضوع أصبح بعيد كل البعد عن الاقتصاد، رجعت أدور تاني في إجابة على سؤالي الاقتصادي، عملت إيه الدول ديه علشان توصل لتقدمها.
بس وصلت والحمد لله، لقيتهم مكتمين على حاجة تضم كل هذا، الحاجة ديه اسمها تجمعات متكاملة، يعني إيه؟
وديه كانت مشكلة تانية بصراحة، ما فيش مصادر، ما فيش تجارب، ولا تقارير ومحدش بيتكلم، ويقولك إحنا بنعمل كذا وكذا.
وبدأت أشوف الموضوع ده، بصراحة طلعت عيني.
بس قدرت أوصل إن الدول المتقدمة قامت ببناء تقدمها بالاستناد على التجمعات المتكاملة، فالتجمعات المتكاملة هي مجموعة من الشركات والمؤسسات الموجودة في مكان جغرافي واحد، تربطها علاقات تكاملية بهدف إنتاج مجموعة من السلع و/ أو الخدمات، وهو الأمر الذي يكسبها ميزة تنافسية، نتيجة التعاون والتكامل فيما بينها، ومقصود بالتنافسية هو إن السلع أو الخدمات المقدمة تكون جودتها عالية، وسعرها منخفض، وبالتالي تقدر بسهولة تنافس في السوق الداخلي، والتصديري كمان.
طيب حلو، التجمعات ديه تضم موردي مدخلات الإنتاج والآلات والمعدات والخدمات والصناعات المرتبطة بما تنتجه أو تقدمه التجمعات، بالإضافة إلى المؤسسات المساندة؛ مثل المؤسسات الإدارية والمالية والتدريبية والتسويقية والبحثية.
التجمعات ديه ممكن تكون في كافة المجالات على فكرة، مثل التجمعات السياحية والفندقية زي شرم الشيخ عندنا كدة، وهناك تجمعات خدمات التشييد وإنتاج مواد البناء، وتجمعات للنقل والخدمات اللوجيستية، وتجمعات للصناعات المعدنية، وتجمعات المنتجات الزراعية والتصنيع الغذائي، والسيارات، والتجمعات الترفيهية، وتجمعات خدمات الطبع والنشر، والمنتجات البلاستيكية، وتكنولوجيا المعلومات، والتجمعات المعنية بمنتجات الغزل والنسيج والمفروشات، والمنتجات الكيماوية، وأدوات الاتصال، والمعدات الثقيلة، والأثاث، والأدوات الطبية، وتجمعات المنتجات البترولية، وتجمعات الأدوات الكهربائية والإضاءة، والمنتجات الجلدية، وتجمعات المجوهرات والسلع المعدنية، والتجمعات الرياضية وسلع الأطفال، ومحركات الطيران، وأدوات الصيد، والدخان، وتجمعات الأحذية.
علمت تلك الدول مزايا التجمعات المتكاملة فتوسعت في إنشائها، تلك المزايا تتلخص طبعًا في خفض معدلات البطالة، وربط المشروعات المتوسطة بالكبيرة، وأحيانًا ربط الصناعات اليدوية بالصناعات الأكثر تكنولوجيا، وحتى الوصول إلى جميع أهداف التنمية المستدامة، فتلاقي بأه تدوير المخلفات، ومعالجة وإعادة استخدام مياه الصرف.
كل إللي كنت باحلم بيه لقيته في موضوع التجمعات المتكاملة ده.
يا ولاد الإيه!!! كل ده، واحنا مش عارفين.
بصراحة كنت متغاظة، كان نفسي أشوف بلدنا زي الدول المتقدمة ديه، ويكون عندنا تجمعات متكاملة، إيه إللي يمنع؟
وقد كان.
الأسبوع السابق كان حافل بالنسبة لي، حضرت مؤتمر في وزارة البحث العلمي، وسعدت إننا أخذنا خطوات جادة في معالجة المياه، والتوسع في استخدام الطاقة الشمسية، وزيادة الطاقة الإنتاجية من الحاصلات الزراعية، بل وتشجيع الشباب على الابتكار والحث على تصنيع السيارة المحلية، وإن كنت أتمنى أن نبدأ بتصنيع مكونات السيارات اولًا زي جنوب أفريقيا كدة، أو محرك السيارة نفسه زي التجربة الصينية مثلًا، ثم ننتج السيارة ككل.
وشاهدت تليفزيونيًا تدشين مدينة الأثاث في دمياط، كمدينة صناعية متكاملة لإنتاج الأثاث، بل والتحدث عن قرب افتتاح مدينة الروبيكي للجلود والمصنوعات الجلدية، إيه ده؟ ده أنا بحلم بقى.
وعرفت إن عندنا تجمعات مصغرة كثيرة يمكن تطويرها لتصبح تجمعات إنتاجية متكاملة، وعرفت إنه يوجد في الفيوم قرية تسمى "تونس"، تنتج المنتجات الخزفية، واستطاعت أن تصل بمنتجاتها للعالمية، وهي بالفعل نموذج ناجح للتجمع الصناعي اليدوي المتكامل، واستطاعت أن تكون مقصدًا سياحيًا.
ففكر التجمعات المتكاملة بصفة عامة يجب أن يحظى بتكاتف جميع أجهزة الدولة، فعلينا أن نعلم أن الدول المتقدمة وضعت نظامًا خاصًا يتخطى جميع العوائق الإدارية، كي تصل بتجمعاتها إلى العالمية.
وما أحزنني صراحةً، أن نظرتنا إلى تلك التجمعات لم تصل إلى درجة الوعي المطلوب، فالمفروض لما نلاقي نموذج ناجح من تلك التجمعات، نحاول أن نلقي الضوء عليه، ونسانده، ولا أن نفعل ما قد يخالف طبيعته التنموية، فمثلًا، قرية "تونس" التي تحدثت عنها، علمت بالمصادفة أن هناك خطوات لإقامة نقطة شرطة داخل القرية، طيب ومالو!، محدش يكره الأمن والأمان، على راسنا من أصغر جندي لأكبر ضابط بالنقطة.
فما علمته أن أهالي القرية، بلغوا من درجة الوعي، أنهم تقدموا بشكاوى إلى جميع الجهات المعنية، يعبرون فيها عن رغبتهم في الحفاظ على البيئة والطبيعة المحيطة بتجمعهم، ورأوا أن إقامة تلك النقطة وسط تجمعهم سيغير من جاذبية المكان الذي أصبح مقصدًا سياحيًا وإنتاجيًا، وطالبوا بنقل تلك النقطة إلى مكان آخر مجاور للقرية.
فما أرجوه أن تنتقل ثقافة التجمعات المتكاملة إلى جميع المواطنين أفراد ومسئولين، فهي السبيل الوحيد إلى التقدم والتنمية.
عرفتوا ليه بقى شكلنا كده على طريق التنمية، بل والتقدم كمان بإذن الله تعالى، وذلك بنشر ثقافة التجمعات المتكاملة والتنفيذ الفعلي لها، والذي من الواضح أننا قد بدأناه بحمد الله.