الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المرتدون الجدد عن الإسلام


فى ليل الصعيد الحالك السواد, وقفت ثلاث فتيات صغيرات وسط النساء المتشحات بالسواد يبكين والدهن المتوفى, نادى عليهن أحد أقاربهن ليخرجن إليه من وسط النساء الحزينات, جذب أيديهن الصغيرة واحدة تلوى الأخرى لأخذ بصمة اليد على تنازلهن له عن حقوقهن فى الميراث, وضع تنازلهن المبلل بدموعهن فى جيب جلبابه, ثم خرج ليجهز لدفن أبيهن والوقوف أمام بيته لتلقى العزاء.

مشهد مأساوى يتكرر فى العديد من القرى فى مصر, وبخاصة فى الصعيد, مع تغير الظلمة الأشقياء فى كل مرة, فتارة يأكل أموال يتامى النساء ظلمًا الأعمام, وتارة الأخوال, وتارة الإخوة الأشقاء الأشقياء بظلمهم, وتارة يتقاسم مال اليتامى كل الظلمة الاشقياء فى العائلة, ففى كل عائلة غضب الله عليها , تجد آكلى مال النساء اليتامى, يعتبرونه هينًا سهلًا عليهم وهو عند الله عظيم.

وفى بعض العائلات الحمقاء يكتب الرجل كل ممتلكاته لأولاده الذكور قبل وفاته كى يتأكد من عدم توريث بناته, فتكون ميتته بالنسبة لبناته مرتين, مرة بفقدان الأب ومرة بفقدان حقهن فى الميراث, وحدث أن كتب أحد الظالمين كل أرضه لابنه الوحيد بعد أن زوجه, كى يتأكد أن بناته لن يأخذوا شيئا من الميراث بعد وفاته, عاش الرجل ومات الابن قبل أن يُنجب, وذهبت الأرض إلى زوجة ابنه المتوفى, وعاش الظالم فقيرًا بعد أن أفقر نفسه وبناته.

وغيرها من مآسى الحماقة والجهل فى حياة أكلى مال اليتامى فى مصر عامة والصعيد خاصة, وقد شاهدت بنفسى فى بعض قرى الصعيد ظلم وظلمات الميراث بين أبناء العائلات التى يترعرع الجهل فيها , ولا أعنى بالجهل هنا التعليم من عدمه , فما أكثر الجهلاء من حاملى الشهادات والدرجات العلمية والوظيفية , ممن غلظت قلوبهم وتدنت نفوسهم وصار أكل حقوق نساؤهم اليتامى سهلًا لينًا عليهم , فالقضية لها شقان شق جاهلى وشق دينى .

أما الشق الدينى فقد حسم بعضه سيدنا أبوبكر عندما أرتد بعض المسلمين بعد وفاة سيدنا محمد مباشرة , وقالوا نشهد الشهادتين ونصوم ونصلى ونحج ولكن لا ندفع الزكاة , وعندها قال سيدنا أبوبكر قولته المشهورة عندما قال له بعض الصحابة , وافق على شروطهم فلا طاقة لك بقتال العرب وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله , فقال ( والله لو منعنونى عقال بعير كان يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه ) .

فسيدنا أبوبكر كان يدافع عن مبدأ , ولو تساهل فى تحصيل الزكاة فسوف يأتى من يتساهل فى الصلاة ثم فى الحج إلى آخر التساهلات , وهو ما حدث فى أكل مال اليتامى , فقد بدأ بتأخير توزيع الميراث إلى ثلاثة أيام بعد الجنازة , ثم إلى أسبوع , ثم إلى ما بعد الأربعين , ثم إلى ما بعد مرور عام من الجنازة , ثم إلى تزويج الأولاد غير المتزوجين من أبناء المتوفى , وتبعها ثم والف ثم حتى وصلنا إلى حرمان تام للنساء من الميراث مع مرور الوقت .

ونحن اليوم نرى تشابه فى حال بعض من منع توريث النساء أعتراضًا على حكم الله فى الميراث , مع حال بعض المرتدين فى عهد سيدنا ابوبكر الذين اعترضوا على الزكاة ومنعوها , وتشابه بين حال بعضهم وحال شاربى الخمر مع الاعتراف بحرمانيتها فى عهد سيدنا عمر , فعندما شرب بعض الناس الخمر , قال لعامله ( أسألهم عن حكم شرب الخمر , ان قالوا لك حلال فأضرب رقابهم , وان قالوا لك حرام فأجلدهم تطبيقًا للحد ) فهو رضى الله فرق بين المعصية فى شرب الخمر وبين الكفر بحكم تحريم شرب الخمر .

فالذى يمنع توريث النساء رفضًا لشرع الله , والعياذ بالله من ذلك , حاله يقترب من حال من منع الزكاة بعد وفاة رسول الله , وان كان منع الزكاة هو منع لركن من أركان الإسلام , ومنع توريث النساء رفضًا لشرع الله هو منع لفرض وليس لركن من أركان الإسلام , وأصدقكم القول انا لا أعرف ما هو حكم الإسلام فيمن يرفض توريث النساء أعتراضًا على حكم الله .

أما الذى يأكل أموال النساء اليتامى ظلمًا , وهو يعلم أن ما يفعله حرام شرعًا, فهو على ما أعتقد ليس مرتدًا عن الإسلام , فهو عاصى لله ورسوله , وماله حرام ولن يجنى من وراؤه خيرًا أبدًا , وفى كل قرية اعتاد بعض الناس فيها على أكل مال يتامى النساء ظلمًا , يمكنك ان ترى سوء حال كل من أكل ميراث أخته أو عمته أوخالته أو بنت أخته أو بنت أخيه ظلمًا .

إن مأساة أكل ميراث النساء اليتامى ظلمًا فى مصر وفى بعض الدول العربية , معقدة وشائكة بسبب تفشى الظلم بين الناس داخل البيت الواحد والأسرة الواحدة والعائلة الواحدة والقبيلة الواحدة , فما الحل ؟ وهل هناك دور يجب على الدولة ان تقوم به لحماية العائلات والأسر من ظلمها لأبنائها وبناتها ؟ وما هو دورنا نحن كمواطنين فى الحد من هذا الظلم المجتمعى البغيض ؟ هذا ما سوف نتناوله فى المقال القادم إن شاء الله .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط