الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عودة مُلتزم شواطئ مصر


نظام "المُلتزم" كان نظامًا معمولًا به فى الدولة العثمانية لجمع الأموال من عامة الناس فى مصر، حيث كان يلتزم أحد الأغنياء بتحصيل الضرائب والرسوم من الناس، ثم يقوم بتوريدها للسلطنة بعد خصم مصروفاته، وكان يتم عمل مزاد بين الأغنياء للفوز بمنصب المُلتزم، وقد كان بعض المتزمين يغالون فى تحصيل الضرائب من الفلاحين فى القرى والكفور، وبعد أن كانت مدة الملتزم عاما واحدا، صارت أعوامًا وصارت تورث مع ضعف السلطنة.

تذكرت هذا النظام الذى ساهم فى سخط الناس فى مصر على الحكم العثمانى، وأنا أتابع عن كثب ما آلت إليه شواطئ مدينة الإسكندرية المغلوبة على أمرها، بعد أن تم تأجيرها لعدد من الأشخاص عن طريق المزايدة العلنية، تمامًا مثل نظام المُلتزم إبان الحكم العثمانى، فيقوم المستأجر اليوم بدفع مبلغ مالى كبير للمحافظة نظير تأجير الشاطئ للمصطافين وتحصيلها منهم.

وبالطبع المستأجر يدفع جنيها من أجل أن يأخذ أضعافه، فهو لا يمارس عملا خيريا أو تطوعيا، أو عملا تنمويا للشواطئ أو مرافقها، هو فقط يقوم بسداد مبكر للرسوم التى كان من المفترض أن تحصلها الدولة من المصطافين، ثم يقوم بإعادة جمعها مضاعفة من المصطافين، نظير تمتعهم بحقهم الطبيعى فى لمس ماء بحرهم أو الجلوس على رمال شواطئهم.

نفس نظام الملتزم العثمانى، مع تغير المسميات، فبدلًا من اسم الملتزم، صار اسمه المستأجر، لكن نفس السلوك لم يتغير، رغبة فى جمع أكبر قدر من الأموال لتعويض ما دفعوه للمحافظة، ثم تحقيق أرباح لهم، وإن كانت الأرباح حق مشروع لكل عمل مشروع فى أى مكان فى العالم، إلا أن ما يحدث هو نوع من التأجير الاحتكارى، حيث يحتكر المستأجر منح حق الدخول للشاطئ.

بالإضافة إلى أنه مع التزايد بين المُلتزمين للفوز بهذه العقود الاحتكارية، زادت قيمة الالتزام المالى عليهم، وصاروا مُلتزمين بسداد ملايين الجنيهات للمحافظات الساحلية، وزادت بالتالى الأعباء على الأسر المتوسطة التى ترغب فى الجلوس ولو ساعات قليلة على أى شاطئ مصرى، ونظرًا لأن رواد هذه النوعية من الشواطئ هم من الطبقة المتوسطة أو تحت المتوسطة من عامة الناس، فلم يلتفت أحد للعبء الكبير الذى بات عليهم، فالنُخبة لا تُخالط هؤلاء البسطاء.

ولك أن تتخيل أن دخول أرخص شواطئ مدينة كالإسكندرية على سبيل المثال، يكلف الأسرة الصغيرة المكونة من أب وأم وطفلين أربعين جنيهًا، وعشرين جنيها رسوم الدخول لحجرة تغيير الملابس، ولو احتاجوا للذهاب إلى دورة مياه، فهذا معناه عشرون جنيهًا فى كل مرة، فكل استخدام لأى مرفق من المرافق على الشاطئ تكلف الفرد خمسة جنيهات، أى مائة جنيه على الأقل دون أكل أو شراب، هذا بالنسبة للأسر الصغيرة، فما بالك بالأسر الكبيرة التى يرغب أفرادها فى قضاء عدة أيام فى السنة فى مدينة ساحلية؟

قد يكون مبلغ المائة جنيه فى اليوم مبلغًا لا يُذكر بالنسبة للأغنياء دام الله عزهم، وربما يدفعونه إكرامية على أبواب الشواطئ الخاصة بهم، لكن هناك عشرات الملايين من عامة المصريين، المائة جنيه رسم الدخول والجلوس على الشاطئ تمثل عبئا كبيرا عليهم، خاصة فى ظل وجود أعباء أخرى عليهم.

لذا أتمنى أن يتدخل الرئيس ويأمر بمراجعة منظومة تأجير شواطئ البسطاء فى المدن الساحلية، وتخصيص شواطئ عامة غير مؤجرة فى الإسكندرية، وفى باقى المدن الساحلية، وأتمنى من السادة المحافظين أن يهتموا بمستوى النظافة فى المدن الساحلية، بدلًا من البحث عن تعظيم الموارد من وراء تأجير شواطئ عامة المصريين لمجموعة من المُلتزمين الجُدد، فيثيرون سخُط الناس عليهم.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط