تلقيت دعوة كريمة من شخصية متميزة لحضور أحد المؤتمرات التي تحدثت عن السياحة في مصر، الشهادة لله المؤتمر ضم نخبة من الاقتصاديين والسياسيين ومجموعة منتقاةمن أعضاء البرلمان المصري ولم يغفل دعوة عدد من رجال الأعمال.
وكعادتي دائمًا فأنا من هواة متابعة مجريات الأمور لترسيخ انطباعاتي بشكل عام.
بصراحة كان هناك اهتمام ملحوظ بالسادة الحضور من أعضاء البرلمان، فإذا طلبوا الكلمة فسرعان ما يكون الميكروفون بين أيديهم، طبعًا مش نواب الشعب، لازم يقولوا رأيهم، ويدلوا بدلوهم.
الحق يتقال من تم دعوتهم من النواب، ظهرت عليهم ملامح الاجتهاد ومحاولة استيعاب الحوار الاقتصادي، لكن في رأيي المتواضع، لم يكونوا على نفس مستوى الحدث، فظهر معظمهم وكأنهم طلاب في الفرقة الاولى بكلية الاقتصاد، يجتهدون في تفسير الأشكال البيانية والأرقام، وإن تعلموا بعض المصطلحات التي فرحوا بترديدها، وخرجت بانطباع أن مجلس النواب يحتاج إلى تطعيمه بعدد من المتخصصين في الشأن الاقتصادي بدرجة أكبر من ذلك، كي يكونوا على نفس مستوى الحدث، من النقاش والجدال، مع مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني، وفي نفس الوقت يعبروا عن آراء الشعب ومطالبه.
هذا المؤتمر تميز بتجميع أطراف متعددة ألا وهي الحكومة والمؤسسات البحثية ومنظمات المجتمع المدني، لكنه أغفل طرف بدأ يأخذ طريقه بقوة في المجتمع المصري، ألا وهو المبادرات الفردية أو الجماعية، التي تنبع من أفراد الشعب، لا أعني تتبع كافة المبادرات، لكن تعقب المتميز منها، ومن بدأت تظهر نتائجه بشكل ملموس، فهذا المؤتمر تحدث عن السياحة، فكنت أتمنى أن أرى من يمثل "مبادرة مصر أحلى" على سبيل المثال، خاصةً أنها بدأت تأخذ طريقها في الترويج للسياحة المصرية، بشكل أكثر مرونة بعيدًا عن بيروقراطية الحكومة أو ترتيبات منظمات المجتمع المدني، فالاستعانة بمثل هذه المبادرات التي تتحدث من أرض الواقع من الممكن أن يكون أداة استرشادية تساعد في اختصار الكثير من الإجراءات وقد تبدل الكثير من المقترحات.
أثناء متابعتي لمنصة المتحدثين، رسخ في ذهني أحد المصطلحات التي أطلقها أحد رجال الأعمال ممن جلسوا على المنصة متحدثًا، هذا التعبير هو "أهمية الحد من الفساد والمتمثل في المواطنين الذي يحصلون على دعم غير مستحق"!
فتسائلت بيني وبين نفسي يا ترى من هو المواطن الذي لا يستحق الدعم الآن؟، فأكثر من 80% من المواطنين انخفض دخلهم الحقيقي، وتأثرت مستويات معيشتهم، وفي رأيي أن اكثر من 50% من الشعب قد يستحق الدعم الآن.
فلماذا لا نبدل الكراسي؟، بمعني أن يجلس الشعب مكان رجل الأعمال، ويضع رجل الأعمال نفسه مكان الشعب، فنسبة كبيرة من المواطنين تتهافت على منتجات مصانع رجل الأعمال التي تباع العبوة الواحدة منها بحوالي خمسين جنيهًا، وتعرض نفس العبوة في السلاسل التجارية الكبرى بسعر أقل من ثلاثين جنيهًا تحت بند عروض التوفير، فرجل الأعمال صاحب خط الإنتاج، والسلاسل التجارية التي تعرض تلك المنتجات، لن تتفضل على الشعب لتبيع بالخسارة.
فلماذا لا يقود رجل الأعمال حملة لمكافحة البيع بالأسعار المبالغ فيها؟، دون أن يحصل أي طرف على دعم غير مستحق، ولكن هذه المرة هذا الدعم من الشعب لرجال الأعمال، ففارق السعر بين سعر العبوة في المحال التجارية وسعر العبوة الواحدة ضمن العروض التوفيرية يتقارب مع قيمة الدعم الذي يحصل عليه من لا يستحقوا الدعم من منظور سيادتكم، فعلى رجال الأعمال أن ينتفضوا لتخليص المجتمع من هذا الفساد المتمثل في ارتفاع الأسعار بصورة غير مبررة، ليثبتوا أننا جميعًا في مركب واحدة.
نرجع لموضوع المؤتمر وهو السياحة، ففي رأيي أننا لا نجيد فن الترويج الداخلي والخارجي للمعالم السياحية التي نمتلكها، فكثير من الدول تمتلك مقومات أقل بكثير ولكنها تحسن استغلالها، فتركيا على سبيل المثال لديها شجرة معمرة، تلك الشجرة أصبحت مزارًا سياحيًا وتتوافد عليها الأفواج، فانطباعي هو أننا نحتاج إلى تركيز وتحديد عدد من المعالم على أن يتم الترويج لها بشكل كثيف، على أن نستهدف نوعية معينة من السائحين، فقد يكون التعدد والمبالغة في سرد ما نمتلكه من معالم سياحية مصدرًا لتشتيت السائح نفسه، ومن ثم يذهب إلى الدول الأكثر تحديدًا والتي ليست من الضروري تمتلك ما نمتلكه من معالم أثرية أو سياحية.
نقطة أخرى أثارت انتباهي ألا وهو تفاخر ممثلي الحكومة من الحضور، بالاستعانة بالخبراء الأجانب في وضع الاستراتيجيات التنموية أو الترويجية، فأنا لا أعارض تدعيم الموارد البشرية بالجهاز الإداري للدولة بالعناصر الأكثر خبرة، لكن يجب تقديم أبناء الوطن، كي يعلم الاجنبي أن الريادة مصرية، فنأخذ مكاننا المستحق بين الامم.
تلك هي أهم انطباعاتي التي حاولت أن أسردها أمام الحضور، لكن كما ذكرت مسبقًا، أن المنصة لم تكن ترى سوى نواب الشعب من الحضور فتسرع بإعطائهم الكلمة، أو رجال الأعمال البارزين فتتهافت على سماع آرائهم.