الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الغاز الإسرائيلي يسيل دموعنا


اشتعلت نيران الغضب بين المصريين خاصة رافضي التطبيع، بعد ما انتشر خبر اتفاقية تصدير غاز طبيعي إسرائيلي إلى مصر، ومما زاد من اشتعال الحرائق وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الاتفاق بـ"يوم عيد " وأن عائد التصدير سيستخدمه في دعم أمن ورفاهية المواطن الإسرائيلي، مستغلاً الاتفاق لمعالجة أزماته الداخلية المتعلقة بقضايا فساد في كسب"بنط"لرفع شعبيته.

في الوقت ذاته أطلقت الحكومة المصرية عياراً ثقيلاً من البلبلة بعجزها عن شرح الآثار الإيجابية للصفقة، وجاءت تصريحات وزير البترول طارق الملا باهتة ومتعجلة، فيما استقبل المصريون الاتفاقية بالرصاصة التي اخترقت حلم الاكتفاء الذاتي من حقل ظهر.

لذلك قررت أن أقوم بدور متحدث الحكومة بصفة غير قانونية في هذا المقال لاستجلاء الحقيقة حتي لا تسيل دموعنا علي أوهام يُصدرها كارهي الخير لمصر.

فإسرائيل تحتاج إلي تصدير تسعة مليارات متر مكعّب سنويًا، الأردن تشتري كمية منها، ولكن الكمية الأكبر المتبقية ترغب في تصديرها إلى أوروبا.

وللوصول إلى أوروبا، ينبغي أن تعبر الأنابيب سوريا أو لبنان، وكلاهما لديهم توترات أمنية وداخلية غير مستقرة.

ففكرت إسرائيل في مد أنابيب إلى تركيا وتمر بقبرص، ولكن الأخيرة اعترضت على ذلك بسبب الاحتلال التركي لشمالها .

وبذلك لم يعد أمام إسرائيل سوي خيار مد خط مباشر نحو أوروبا تحت البحر، يصل إلى قبرص واليونان، بطول 2200 كيلومتر وعمق ثلاثة كيلومترات وبتكلفة قُدّرت بسبع مليارات دولار، وهذا طبعًا صعب ومكلف جدًا .

ولكن بضربة معلم ! فُتح كنز جديد أمام إسرائيل مع توقيع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على قانون يسمح للشركات المصرية الخاصة باستيراد الغاز.

فاستغنت إسرائيل عن كل الخيارات السابقة بما فيها الحليف التركي ومصالحه المشتركة مع قطر، لتضيف مصر صفعة وركلة إقتصادية وسياسية في المنطقة الحساسة لأردوغان وتميم، حيث إن الأمر لم يعد مجرد خلافات سياسية، وإنما هجوم مصري "شرعي" وإن كان تحت الحزام علي مصالحهما الاقتصادية خاصة التركية فى سوق الغاز وانتقاص من مكانتهما وحصصهما.

وفي نفس الملعب نحرز هدفا جديدا ، فبتوقيع شركة "ديليك دريلينغ" الإسرائيلية و"نوبل" الأمريكية مع شركة "دولفينوس" المصرية التي يملك معظم أسهمها رجل الأعمال المصري علاء عرفة ، تسقط غرامة قدرها 1.7 مليار دولار علي شركة "إيجاس" (الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية) بحكم من محكمة سويسرية ، كعقوبة علي مصر لتوقيفها ضخ الغاز لإسرائيل 2012 ، بالمخالفة لنص الاتفاقية المبرمة أيام " مبارك " والذي كان يري فيها – أي مبارك - تصدير الغاز إلى إسرائيل وقتئذ سلاحا سياسيا يضمن السيطرة عليها .

حيث إن الحكومة قد وضعت شروطا لاستيراد الغاز من إسرائيل منها أن يكون له قيمة مضافة للاقتصاد المصرى، علي عكس اتفاقية مبارك بتصدير الغاز بأقل من سعره في السوق العالمية، بجانب تسوية قضايا التحكيم ، التي باتت تهددنا بتعويضات هائلة يصعب احتمالها .

بات واضحا أن الإتفاقية بين شركات خاصة وليس بين الحكومتين المصرية والإسرائيلية ، بما يعني أن مصر غير ملزمة بأي ارتباطات مع إسرائيل ، ولا يوجد خطر من دفع تعويضات للحكومة الإسرائيلية في حالة الإخلال بالبنود المبرمة بين الشركات .

ولإزالة اللبس فإن ما سيحدث هو استئجار إسرائيل لمصانعنا مقابل رسوم ، وإن كان الاستيراد هو المصطلح العام ، مما سيحولنا إلى مركز للغاز في المنطقة عبر الاستفادة من محطتين مصريتين لتسييل الغاز "إدكو" و"دمياط"، وتمتلك الحكومة المصرية نسبة ( 20% و24% منهما على التوالي)، وعبرهما ستجهّز غازها للتصدير بحرًا إلى الموانئ الأوروبية .

بلا شك مصر ستجني أرباحًا مباشرة وغير مباشرة من هذا الاتفاق، تتمثل فى المقابل المادي لتسييل الغاز وإعادة تصديره ، وتعزيز لقوة مصر كمركز للطاقة فى المنطقة ومصدر غاز أوروبا وغيرها، بالإضافة إلي المكاسب السياسية والدبلوماسية التي ستجنيها مصر من هذه الورقة الرابحة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط