الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

انهيار الليرة الإخوانية!


لم تكن مفاجأة كبيرة للاقتصاديين، ولا للمتابعين للشأن التركي، أن تنهار في خطوات متلاحقة الليرة التركية، فهناك إرهاصات قد سبقت السقوط الكبير، وهناك عوامل موضوعية لهذا السقوط، كانت فقط في انتظار لإطلاق رصاصة الرحمة على العملة التركية، ولقد قدم محللون وخبراء اقتصاديون المبررات لذلك الانهيار الكبير للعملة التركية، والذي كان عدم استقلالية البنك المركزي التركي وتدخل الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي أخذ سلطات هائلة بعدما استطاع أن يحقق حلمه بتحويل تركيا إلى نظام رئاسي كامل، ليس أكثر من مجرد عرض لمرض دفين في هيكل الاقتصاد التركي المتداعي، والذي اعتمد على تدوير رأس المال أكثر من اعتماد على إنتاج حقيقي، ذلك الإنتاج الذي هو القياس الحقيقي لعملة أية دولة من الدول.

يؤكد المحللون أن مضاعفة الرسوم الجمركية على الألمنيوم والصلب المستورد من تركيا، وكذلك فرض عقوبات على وزراء أتراك على خلفية قضية القس الأمريكي المحتجز في تركيا ليست السبب في ذلك الانهيار الذي أصاب العملة التركية، وإن جذور الأزمة في تركيا تعود لما هو أبعد من ذلك، وإنها تعود إلى أسباب سياسية وإلى انعدام التوازن الاقتصادي. 

وحدد خبراء اقتصاديون خمسة عوامل لهذا الانهيار كانت الأزمة في العلاقات مع الولايات المتحدة أولها، ثم انعدام التوازن الاقتصادي حيث كانت بوادر الأزمة قائمة حتى قبل الخلاف الأخير مع الأمريكيين، وأن الحكومة قرّبت موعد الانتخابات من نوفمبر 2019 إلى يونيو هذا العام لاستباق أي تفاقم للأزمة ما قد يؤثر على نتائج الانتخابات. واتباع سياسات غير تقليدية من قبل الرئيس التركي الذي قام منذ توليه الحكم في 2003 ببناء شعبيته على أساس النمو المرتفع وتنمية المناطق الريفية المحافظة.

ويقول خبراء الاقتصاد إنه يريد الحفاظ على وتيرة النمو، لذلك أوضح أن معدلات الفائدة تقف عائقا ووصفها بأنها “أصل كل الشرور”.

كما عبر أردوغان تكرارا عن موقف غير تقليدي بقوله إن معدلات فائدة منخفضة يمكن أن تخفض نسبة التضخم. فبرغم التأكيد الرسمي للأزمة مع الولايات المتحدة “كان واضحا منذ بعض الوقت لأي شخص يتابع تركيا أن سوء الإدارة السياسية والاقتصادية للحكومة سيكون لها عواقب”. كذلك التنبيه إلى معدلات الفائدة حيث يبدو أن المصرف المركزي غير قادر أو غير راغب باتخاذ قرار مخالف لأردوغان بزيادة معدلات الفائدة، ما يثير مخاوف من أن يكون خاضعا لنفوذ أردوغان. 

ويأتي في نهاية تلك الأسباب فريق صنع القرارات حيث كانت الانتخابات في 24 يونيو نقطة تحول في السياسة التركية، وتولى أردوغان مهامه في يوليو بموجب نظام جديد ألغى منصب رئاسة الوزراء. وبرز غياب النائب السابق لرئيس الوزراء محمد شيمشك، الشخصية التي يطمئن إليها المستثمرون عن الحكومة الجديدة. كما عين الرئيس صهره وزير الطاقة السابق براءة البيرق وزيرا للمالية على رأس وزارة موسعة، وهي خطوة لم تلق قبولا في الأسواق. ولذلك يمكن القول إن عدم تحرك السلطات التركية بشكل فوري وحازم ومنطقي هو الذي أدى الآن إلى التدهور الحاد لليرة التركية”.

إن الكلمة التي ألقاها أردوغان يوم الجمعة الماضي في محافظة بايبورت، شرقي البلاد، والتي جاء فيها: “لا يمكن للدولار أو أي عملة أخرى إعاقة مسيرتنا”، رأى فيها المحللون أنها: “ستبعث على المزيد من القلق في نفوس العديد من المستثمرين، لأنها توحي بأن تركيا لن تفرض برنامجًا يتضمن حلولًا اقتصادية تقليدية لحماية عملتها، كما لن تحاول إيجاد طريق للاتفاق مع الولايات المتحدة بشأن خلافات عديدة، تأتي في مقدمتها قضية احتجاز القس الأمريكي آندرو برونسون بتهم تتعلق بالإرهاب”.

هذه الأزمة الكبيرة التي تخوض فيها الليرة التركية معركة وجود، لم تكن لتمر دون استغلالها استغلالا سياسيا من قبل الرئيس التركي؛ الذي هو الأكثر علما بأسبابها، والأكثر دراية بكونها نتيجة لعوامل ضعف حقيقية في الاقتصاد التركي، ولكنه بدلا من يواجه الأمر بطريقة صحيحة، استخدم الأسلوب الإخواني في المعالجة، مصورا الأمر باعتباره حربا تُشَن على البلاد بهدف تركيعها، وإبعادها عن المسار الذي رُسِم لها، معلنا الصمود في تلك الحرب أمام القوة العظمى في العالم الولايات المتحدة الأمريكية، التي هي شريك إستراتيجي لها، وعضو زميل لها في حلف الناتو، مطالبا أبناء شعبه بتحويل الدولارات واليوروات والذهب المخزن تحت "وسائدهم" إلى الليرة التركية، ذلك النداء الذي أكدنا أنه لن يجد آذانا تسمعه! حيث إن للمال سطوة كبيرة، ولن يضحي أبناء الشعب التركي بمالهم لمجرد نداء لا يستطيع الصمود أمام واقع يرونه بأم أعينهم يتهاوى فيه الاقتصاد نتيجة لسياسات خاطئة، ومشاريع اقتصادية فاشلة.

عكس الانهيار المدوي لليرة التركية صورا أقل ما يقال في وصفها أنها مضحكة، لجماعة الإخوان المسلمين، التي أكدت أنها في واد وأبناء الشعوب العربية في واد آخر، فما أن خرجت عن كوادر من الجماعة النداءات "لنصرة" الليرة التركية، والتي ذكر البعض أنه في حال انهيارها فإن المرأة المسلمة في كل مكان سوف تتعرض للاغتصاب! دون أن يوضح كيف!، وهو ما جعل الشارع العربي وعلى الأخص المصري منه يتهكم بأشد عبارات التهكم على الفهم الإخواني، من ناحية وعلى انتمائه من ناحية أخرى؛ فلقد أبدت الجماعة كل أنواع الشماتة في هبوط الجنيه المصري مقابل الدولار بعد تحرير سعر الصرف، وكذلك عدم إصدار أي نوع من الدعم للعملة اليمنية، والتشفي في الشعب السوري بانهيار العملة السورية، وكذلك كل من العملة العراقية والليبية، لتؤكد الجماعة انحراف ولاءاتها التي لم تكن في حاجة إلى تأكيد.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط