الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

التراث الفني .. عنوان الحضارات


كل عام ومصر والعالم بخير وسلام، نحن فى أجمل أيام مباركة حيث شعائر الحج، ويكثر التكبير لله، والدعاء لمن بيده الأمر.

من أجمل ما تحمله ذاكرة الإنسان ذلك التراث الثقافى والفنى الذى يحفظ له تاريخه الشخصى أحيانا، كما يحفظ ذاكرة الأمة فى جميع مناسباتها، ومن أهمية ذلك أن يكون لكل الأجيال المتلاحقة ذاكرة جمعية يستطيعون من خلالها معرفة ودراسة مدى تحضر مجتمعهم فى الأوقات الزمنية المختلفة، وتحديد المستوى الثقافى الذى كان يتمتع به هذا المجتمع، وأيضا يعتبر ذلك التراث هو الحافظة لحضارة الأمم.

لذلك نجد الدول تتباهي بتراثها الفنى وتعتبره جذورا حضارية مهمة يجب البناء عليها، مهما كان عمره طويلا، وتقوم تلك الدول بتدريس تراثها للأطفال دون التخلى عنه بحجة الحداثة كما هو الواقع فى بعض المجتمعات التى تمر بلحظات ضعف حضارى وثقافى حقيقى.

فنجد من يقول باستهزاء ما هذا الفن المنتهى الصلاحيه!! أو يجب أن نذهب لكل ما هو جديد دون النظر لأى من القديم!!

فيأتيك مسؤول يصدر أمرا بهدم معمار رائع يحمل طابعا لمدينة معينة ليضع مكانه كتلا أسمنتية بدعوى الحداثة، كذلك تجد من يراه عيبا أن يذيع بالتليفزيون أغانى المناسبات القديمة ويذهب لأعمال فنية لا تقارن بها فنيا بدعوى ( المشاهد عايز كده) فى حين أن التوجه الثقافى والعلمى لإدارات الدول هو من يوجه المشاهدين ليتكون لديهم ذاكرة بصريه وسمعيه ووجدان وليس العكس.

نعود إذن لمناسبة دينية نقترب منها وهى الحج بكل ما تحمله من مناسك وطقوس إسلامية، ومن توثيق تاريخى لسيدنا إبراهيم عليه السلام وزوجته المصرية السيدة هاجر وإبنهما سيدنا إسماعيل.

كيف وثق الفن المصرى لتلك المناسبة الروحانية الجميلة ؟ وكيف وثق لرحلة الحج وشعائرها ومشاعر الحجيج أثناء المناسك؟

فى الوقت الذى لم تكن تسمع تسجيلا عن عذاب القبر! ولا عن الثعبان الأقرع! ولا عن تكفير فلان! أو فتاوى التحريم والتحليل المطلة عليك يوميا!!

وقت إن كان لدينا مجتمعا محافظا أخلاقيا ولكنه يملك عقلا متفتحا مستنيرا، لم يكن مجتمعنا قد تأثر بعد بثقافات أصبغت نفسها بطابع دينى لكى تلزم الجميع بينما هى تحقق أهداف أخري علي حساب حبس عقول الشعوب فى قوالب حجرية صماء.

حاولت تلك الثقافات تعريف المجتمعات بالدين عن طريق الترهيب والخوف من العذاب، لذلك وإن فرضت سطوتها لفترة من الزمن فلابد أن يحين الوقت لتمرد الإنسان عليها، حيث أن فطرة الإنسان الحقيقية لا تعرف سبيلا للطريق إلى الله سوي الحب.

والدليل فى تراثنا الثقافى والفنى الجميل، نجد ثلاث أغنيات من أروع ما يكون فنيا، ولثلاث فنانات سيدات ولكن أصواتهن تحمل كل معانى الخشوع والحب والشغف الذى يجعلك تشعر بلهفتك لزيارة الأماكن المقدسة والتمتع بقربك من رسول الله الكريم.

غنت أسمهان (الكروان البشرى) من أجمل أغانيها (عليك صلاة الله وسلامه) من كلمات (بديع فخرى) و ألحان (فريد الأطرش) عام (1943)، انظر عندما تغنى : كرامة لله يا قاصد مكة ونيتك بالكعبة تطوف، تبوسلي فيها تراب السكة أمانة من مؤمن ملهوف، سالت دموعه وطال دعاه.. في يوم خشوعه ينول مناه، دي قبلتك يا نبي قدامه.. عليك صلاة الله وسلامه.

التعبير عن الحب والتوسل للحبيب واعتبار أقصي الآمال هى جوار النبى المعشوق، وفى سبيل ذلك سالت الدموع وطال وقت الدعاء و لم ينل مراده إلا بعد تحقق الخشوع وهو شرط تحقق الأمل.

غنت بعد ذلك القيثارة ليلي مراد رائعتها (يا رايحين للنبى الغالى) من كلمات (أبو السعود الإبيارى)كما هو مثبت فى سجلات الإذاعة أو بيرم التونسى فى صوت القاهرة وألحان (رياض السنباطى) عام (1964) ، تقول: يا ريتني كنت وياكم، وأروح للهدي وأزوره ، وأبوس من شوقي شباكه وقلبي يتملي بنوره، وأحج وأطوف سبع مرات
واللبي واشوف منى وعرفات، واقول ربي كتبهالي. 
 
ثم جاء الثلاثى العبقرى لتغنى أم كلثوم من كلمات (بيرم التونسى) وألحان (رياض السنباطى) الرائعة الخالدة (القلب يعشق) عام (1971) تلك الأغنية التى تكاد أن تنطق بالعشق الإلهى وكلما قرأت كلماتها ازدت تفكرا فى بساطة التعبير وعمق التأثير، كتبها بيرم التونسى بكل شفافية، وبقلمه الذى لا يقف أمامه تعبير، ولحنها السنباطى بنفس البساطة فلم يعتمد علي الألحان الدينية وجملها الطويله الصعبة، ولم يعتمد أسلوب التواشيح الذى تربي وجدانه الدينى عليه، وإنما كأن الثنائى يقولان لنا : أن تصل إلي حب الله ورسوله ليس عليك إلا أن تفتح قلبك وتترك فطرتك وأنت حتما ستجد الطريق و ليس أدل علي ذلك من خاتمة الأغنيه حيث لم تعتمد علي النهايات التقليدية وإنما نهايه قويه موجزة كمن إهتدي لطريقه أخيرا، فتقول: مكة وفيها جبال النور، طالّة على البيت المعمور، ثم يصف الروضة الشريفة: جينا على روضه هلة من الجنة، فيها الأحبة تنول كل اللي تتمني، فيها طرب وسرور، وفيها نورعلى نور، وكاس محبه يدور واللى شرب غني . دعونا نعلم أجيالنا أن الطريق إلي الله هو طريق الفطرة السليمة (الحب)، وأن تراثنا الفنى جميل ويستحق أن يظل حيا.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط