الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الشتاء .. العزلة والحب والإبداع


فصل الشتاء ! إنقسم عليه آراء المبدعون بين من يراه فصلا للإبداع ومن يري فيه فصلا للأفول و إنتهاء الإلهام (البيات الشتوى) ولكنه فى مخياة المبدع العربى عامة فصلا للحب و تفجر المشاعر .
.
عبر عنه صلاح عبد الصبورفى إحدي قصائده عن الخوف من العزلة، فقال :

ينبئني شِتاءُ هذا العام، أنَّني أموتُ وَحدي/ ذاتَ شتاءِ مثلّهُ، ذاتَ شتاءْ/ ينبئني شتاءُ هذا العامِ أنَّ داخلي مرتجفٌ / وأنَّ قلبي ميتٌ منذ الخريف/ قد ذوى حين ذوتْ/ أولُ أوراقِ الشجر/ ثم هوى حين هوتْ، أولُ قطرةٍ مِن المطر/ وأنَّ كلَّ ليلةٍ باردةٍ تزيدهُ بُعدا، في باطن الحجر.

بينما يقول الشاعر نزار قباني في قصيدته (حقائب الدموع والبكاء) :

إذا أتى الشِتاءْ، وحرَّكتْ رياحهُ ستائري/ أحسُّ يا صديقتي بحاجةٍ إلى البكاءْ/ على ذراعيكِ، على دفاتري/إذا أتى الشتاءْ، وانقطَعتْ عندلةُ العنادلِ، وأصبحتْ كلُّ العصافيرِ بلا منازلْ/ يبتدئ النزيفُ في قلبي، وفي أناملي/ كأنَّما الأمطارُ في السماءْ. يرى الشاعر أنَّ كآبة الشتاء، لا يمكن أنْ يعالجها إلا الوصال، أي الإرتباط بين الحبّوالشتاء، حيث الحب هو مضاد لآثارالشتاء، فيكمل قباني قصيدته :مِن أينَ جاءَ الحُزنُ يا صديقتي؟ وكيف جاء؟يَحملُ لي في يده زنابقًا رائعةَ الشحوبْ، يحملُ لي حقائبَ الدموعِ والبكاء.
أما محمود درويش فيلسوف الشعر والتعبير بالكلمات يعبر عن الشتاء بقصيدته الشهيرة (كنت أحب الشتاء): كنت أُحبّالشتاء، وأَمشي إلى موعدي فرحًا،مرحًا في الفضاء المبلِّل بالماء. كانتفتاتي تنشِّفُ شعري القصير بشعر طويل، تَرَعْرَعَ في القمح والكستناء. ولا تكتفيبالغناء: أنا والشتاء نحبُّكَ، فابْقَإذًا مَعَنا! وتدفئ صدري علىشادِنَيْ ظبيةٍ ساخنين. وكنت أُحبُّالشتاء، وأسمعه قطرة قطرة، مطر مطر كنداءٍ يُزَفَ إلى العاشق، أُهطلْ على جسدي! ... لم يكن فيالشتاء بكاء يدلُّ على آخر العمر، كان البدايةَ، كان الرجاءَ. فماذاسأفعل، والعمر يسقط كالشَّعْر،ماذا سأفعل هذا الشتاء؟
أكد نجيب محفوظ على أنه يعتبر الشتاء ملهما، فقال: روحي في الشتاء تكون متألقة، وكل إستعداداتي وإمكاناتي الأدبية تكون في حركة ونشاط، وهذه الحالة كانت تبدأ معي من الخريف وتستمر حتى نهاية الشتاء، ثم يجئ الربيع فتأتي معه فترة البيات الربيعي والصيفي، وأنا أحب الشتاء، فأشعر فيه بوجد، وأنجز فيه الكتابة، وأحب الدنيا فيه.
بينما عبرت عاشقة القمر فيروزفى أغانى كثيرة عن حالة المشاعر فى الشتاء فتغنت (رجعت الشتويه، ضل إفتكر فىً، يا حبيبى الهوي مشاوير وقصص الهوي متل العصافيرلاتحزن يا حبيبي اذا طارت العصافير و غنية منسية ع دراج السهرية
رجعت الشتوية، ضل افتكر فيً، يا حبيبي الهوى غلاب عجل و تعىي السنة ورا البا ب شتوية و ضجر و ليل و انا عم بانطر علي الباب) وغنت أيضا(بديت القصة بأول شتى، وخلصت القصة بتانى شتى)
على الحجار غني( لما الشتا يدق البيبان، لما تنادينى الذكريات، لما المطريغسل شوارعنا القديمة والحارات، ألقانى جايلك فوق شفايفى بسمتى، كل الدروب التايهه تنده سكتى، كل الليالى اللى فى قمرها قلبى داب، مش جاى ألومك عاللى فات، ولا جاى أصحى الذكريات، لكنى بأحتاجلك ساعات لما الشتا يدق البيبان)الكلمات للشاعر إبراهيم عبد الفتاح .
من كل تلك التعبيرات الجميله، فإن فصل الشتاء ينادى فينا ذكرياتنا المحفوره فى وجداننا، إنه فصل النشاط العقلى لمن يريد أن يجعل من ذكرياته وحكاياته بداية لخلق إبداع أو وجدان يمتلئ بطاقة الحب والتأمل فى ماضيه لينطلق مستقبله إلي رحاب تحمل له غد أفضل و أمل جديد فى أحلام يريد لها التحقق .
واللقطة هنا هى لماذا تغيب عن عالمنا الفنى المتدنى اليوم تلك المعانى الفلسفية الجميلة التى تساعد بقوة ناعمة علي تكوين أجيال يتربي فى وجدانها مشاعر تساعد علي تنمية عقول متأملة ؟
فالتأمل هو بداية التكوين علي أية حال، ليس المهم أن تصبح شخص مبدع فنيا، وإنما التأمل والتفكر هو ما يخلق منك إنسان صاحب رؤية فى حياتك، تستطيع أن يكون لك هدف .
تغيب تلك الرؤية عن مناهجنا التعليمية و أساليبنا التربوية، التعلم والتربية هى كيف تخلق جيل، ليس أن يكون لديك شخوص تجيد القراءة والكتابة، لذلك كنا نملك فيما مضي أطباء أدباء وشعراء، كان أصحاب الحرف متذوقون لقصائد باللغة العربية الفصحي، كانوا يملكون وجدانا يستطيعون نقله لأبنائهم.

ؤلكن هل نظل نتأمل فى الماضى، ونبكى عليه! أم لابد لنا من نهضة علي مستوي الدولة والأسرة ، المعلمون والأفراد، أن لا ييأس من لديه الرؤية بالعطاء حتي فى محيطه الصغير، فكل دائرة صغيرة يمكن أن تتسع لتشمل عدد أكبر، لابد ألا نستمع لمن يريدون الهدم بالإحباط، وضحكات السخرية من كل شيئ ، لابد أن نكون دائما فى حالة مقاومة إيجابية لخلق جيل واعى مثقف يعى الفرق بين التعليم والتعلم الذى هو بناء متكامل للشخصية .
تحدثوا لأبنائكم عن كل ما هو جميل ساعدوهم علي نظرة جميله متفائلة للحياة، ولا تنساقوا للغة (الألش) بين محبين الشتاء ومحبين الصيف المنتشرة علي مواقع التواصل الإجتماعى التى تعلى من كل ما هو تافه بينما تخفى ما يمكن أن يكون فرصة لخلق جيل مبدع، لا تجعلوا من كل ظرف عزلة .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط