الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

القصاص لـ "مليكة"


مجرد أن تسمع بكاء ابنك تهب واقفًا وتُسرع لنجدته .. وإذا سقطت نقطة من دمه يقشعر بدنك وتفقد أعصابك .. وحينما تتخيل مشهد عدم وجوده فى حياتك تستعيذ بالرحمن الرحيم وتطرد الفكرة فورا من ذهنك .. فماذا يكون الحال عندما تجد فلذة كبدك نائمًا على الأسفلت وسط دمائه .. تحت عجلات أوتوبيس المدرسة المفترض أنها المصدر الثانى للأمان وحماية الأرواح بعد البيت ؟!

إن الكلمات تعجز عن وصف مشاعر وآلام الأب والأم اللذين فقدا ابنتهما "مليكة" منذ أسبوع، وصدر حكم القضاء العاجل والعادل بتوقيع أقصى العقوبة على سائق الأوتوبيس والمشرفة المسئولة عن التلاميذ بالسجن ٥ سنوات وفصلهما من العمل .. ولا أتصوره إجراءً كافيا ليشفى غليل أسرة "مليكة" ويُثلج صدور أهلها المصدومين من فراق ابنتهم فى لمح البصر، بالقياس لما سبق الحكم من سيناريوهات "مُظلِمة" تستوجب الوقفة والمساءلة على أعلى مستوى.

لا يختلف أحد على أن ما وقع لـ "مليكة" البريئة هو إرادة الخالق فى استرداد روح ملك له عزوجل، وعادة ما تتردد مقولة "القضاء والقدر" للتخفيف من الصدمة .. إلا أن سيل الروايات المُضلِّلة التى ساقها الأب فى أقواله أثناء التحقيقات الجنائية حول ملابسات الحادث هو قمة المأساة ورأس الأفعى، فاكتشفنا محاولات مسئولى المدرسة و"المشرفة المُهمِلة" والسائق "الجانى" لطمس الحقيقة وإخفائها هروبا من المسئولية .. وثبت تواطؤ المستشفى التى نُقلت إليها "مليكة" بعد ٣٠ دقيقة من إصابتها، فاصطدمت أسرة الضحية بتقارير طبية متضاربة زرعت الشكوك لدى الأب والأم، وبصبرهما وإصرارهما على معرفة أسباب وفاة ابنتهما ظهر التقرير السليم الذى أكد مقتل "مليكة" بالخطأ نتيجة تقصير المشرفة وتهور السائق "بدون رخصة قيادة".

لقد سعت المدرسة لاحتواء الحادث حرصا على سُمعتها دون اعتبار إنسانى أو أخلاقى لحق هذه الروح البريئة وحقوق أسرتها التى لم تدخر جهدا أو مالا لتربية وتعليم ابنتها .. وارتكبت المشرفة المتهمة جُرمًا أفدح من الإهمال عندما تقاعست عن إنقاذ الطفلة من الموت وآثرت أن تزيل آثار الدماء لتنجو من فعلتها، وهذا سلوك شاذ لا يصدر إلا عن "قتلة محترفين" لا أهل تربية وعلم ودين

والجانب المضيء فى المشهد سجلته وزارة التربية والتعليم بقرار وضع المدرسة بأكملها تحت الإشراف المالى والإدارى للوزارة، وفرض الرقابة الصارمة على أسلوب حماية طلابها فى كل المراحل تحسبا لوقائع مماثلة فى المستقبل .. وإنى لأقترح عدم انتظار الوزارة لحكم الاستئناف على عقوبة السائق والمشرفة، وتبادر بفصلهما نهائيا واستبعادهما وإلزامهما بالتعويض المادى والأدبى لأسرة "مليكة" فى كل الأحوال، بل وتهديد المدرسة بالغلق وإنهاء علاقتها بمنظومة التربية والتعليم حال ظهور أى تقصير أو تجاوز .. وفى سياق آخر، لا ينبغى أن تتغاضى وزارة الصحة عن فضيحة التقارير الطبية المفبركة والتى حاول "الجُناة" الالتفاف بها على الحقيقة ودهس "مليكة" وأسرتها للمرة الثانية تحت عجلات خيانة الأمانة والضمير الغائب .. والأمر يقتضى محاسبة واستئصالا حادا لكل من تورط فى كتابة وتسويق هذه "التقارير السوداء" .. هذا إن كانت هناك نية وإرادة صادقة فى التطهير والحرب ضد الفساد.

لا يا "مليكة" .. إنكِ أغلى وأكرم من "سنوات" خلف القضبان أو ورق بنكنوت فى حساب أسرتك الحزينة على سبيل التعويض.. وما نطلبه هو القصاص العادل لروحها العطرة .. وثمة قصاص أشد وأقسى من الدم والإعدام .. وكم من المذنبين يعيشون "موتى" .. ولا يستحقون الرحمة أو العفو.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط