الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حينما عبر الشعب المصرى عن "خفة دمه"


لا يختلف معي أحد فى أى مكان وفى أى زمان وتحت مظلة أى ثقافة، أن الشعب المصرى عاطفي بطبعه وله خفة ظل إن وٌزعت ستكفى كثير من الدول والشعوب بأفرادها ومواطنيها وحكوماتها، بل لا أبالغ أن أقول إن الشعب المصرى دائما ما يصدر السعادة للعالم بخفة دمه وبشتى الطرق والوسائل، بداية من الفن المسرحى والكوميديا السينمائية والدرامية، وبسفراء الفكاهة فى كل أنحاء العالم، فالمواطن المصرى الذى يعيش خارج مصر يثبت كل يوم وليلة لأقرانه وزملائه أينما حل عليهم أنه سفير الكوميديا والمرح الذى يدخل السعادة على من حوله ويحول المكان الذى يعيش أو يجلس فيه إلى منبع السعادة، ولا يمكن الاستغناء عنه.

خاصة أن المصرى له مواصفات خاصة يعيش بها ويعيش فيها , أهم هذه المواصفات الذكاء والفكاهة المرتبطة بالصبر , ففى أشد وأضيق الأوقات تجد المصرى يسعى للخروج من أزمته إما بنكتة أو قفشة , أو إلقاء عبارات كوميدية تغير زمام الأمور من الضيق الى الفرج ومن الحزن الى الفرح ومن الهم الى السعادة , ومن الواقع الى الخيال الممزوج بالحب والراحة والطمأنينة , والإبحار نحو المجهول ليطوعه ناحية الواقع الذى يعيشه ويحيا مغردا فى سرب المجموعات أو منفردا بين أناشيد روحه المملوءة بالسعادة التى يريد أن يوزعها على الجميع , فالمصرى باختصار هو تاجر للسعادة , ولكنه لا يأخذ من تجارته مالا أو مادة لأنه ينشد السعادة التى يفتقدها الكثير برغم إمكانياتهم الضخمة , فلا يبالى بالإمكانيات المادية ولكنه يهتم بالتفاصيل المعنوية والحقائق المدفونة فى العالم العنيد , بعيدا عن العالم الحقيقى , ومع هذا يعيش واقعه ولا يستثنى منه شيئا ليحيا الحياة الطبيعية ولكن بتفاصيل مختلفة , يحسده عليه من يتابعه ويدقق فى حياته ليصبح المصرى صاحب مدرسة غريبة فى الحياة ولكن غرابتها مرتبطة بالسعادة ويتمنى أن يحياها الجميع ويدرس فى فصولها ما يحيا به المصرى .

فالمصرى هو كوميدى بطبعه ولا يصطنع هذا , ذلك لأنه أشعر من شعراء العجم , ومعنى كوميدى هنا ـ حتى لا تُفهم خارج سياقها ـ أنه صانع السعادة برغم الأزمات والظروف الصعبة التى يمر بها وعليها , ولهذا تجد ان روحه خفيفة الظل على كل من يلقاها ويمر عليها سواء داخل مصر أو خارجها .

وطالما سلطنا الضوء ناحية الشخصية المصرية يجب أن نسلط الضوء على آخر كوميديا الشعب المصرى , فخلال الأسابيع الماضية ظهرت حملات كثيرة , تحت مسميات مضحكة غير منطقية , ذلك لأن الشعب المصرى أراد بها خلق روح كوميدية بعيدة عن الكآبة السياسية , وبعيدا عن الحالة الاقتصادية , وبعيدا عن الوضع الاجتماعى , وإن كان ربط حملاته الفكاهية بالسياسة والاقتصاد والوضع الاجتماعى , فكلها كانت من باب فتح الباب على مصراعيه من جديد للشعب المصرى حتى يخرج الى العالم بطبيعته التى غيبته عنها تفاصيل كثيرة والإبحار فى المجهول خلال الفترة السابقة , إلى أن ركب سفينة الوطن الحقيقة والتى تسير الآن فى الاتجاه السليم للعبور الى بر الأمان .
"فحملة خليها تعنس , وخليها تصدى , وخليها تنتن , وخليه قاعد جنب أمه , وخليها تعطب" , جاءت جميعها وانتشرت من باب الفكاهة والكوميديا وإن كان فى منتصفها شعور باليأس والحرمان عند البعض , وشعور آخر عند البعض الآخر بالسعادة للمتابعة الدقيقة لهذه الحملات التى أنتجت ألاف بل ملايين النكات , لتضحك كل من يمر عليها فى مصر وخارجها , بل الأهم من هذا أن هذه الحملات لم يكن لها مروجين حقيقين لأنها فى الأساس غير منطقية ولا أحد يستطيع أن يثبت عكس هذا , فحقيقة الاستغناء لا يمكن أن تأتى للعنصر الأهم أو الأساسى فى الحياة اليومية , وخاصة أن كلها أساسيات لا يمكن الاستغناء عنها , وبرغم عدم تجاوب الجميع لهذه الحملات الكوميدية , إلا أنها شهدت تفاعلا ملحوظا من أجل الضحك وإدخال البهجة فى النفوس من باب التفاعل الفنتازى غير المعقول الذى يقود صاحبه للحياة دون التأثير فى الواقع الحقيقى .

يا سادة .. برغم عدم منطقية هذه الحملات والمطالبات , إلا أننى لا ألوم من أطلقها وتفاعل معها من باب الفكاهة , فنحتاج كل فترة الى ما يسمى بالحالة التى تجدد الحالة النفسية , طالما لم تخرج عن نطاق المألوف والطبيعى , فالمألوف والطبيعى مع إطلاق هذه الحملات عدم التفاعل معها ولكن الضحك من خلالها , فمن حق الشعب المصرى أن يعبر عن خفة دمه .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط