الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

احذروا هذا النصاب


في الآونة الأخيرة انتشرت جرائم النصب والاحتيال بصورة جديدة، بعد التطور التكنولوجي السريع، وهي النصب عن طريق الإنترنت، بدأت تلك الظاهرة في دول مختلفة في آن واحد، مما جعلت كل من يرغب في الاحتيال يراقب تلك العمليات بدقة بالغة ويطلق خياله ليبدع في عالم الإجرام ويضع كل منهم بصمته الخاصة التي يتابعها مريدي النصب ليتعلموا بدورهم من أخطاء من سبقوهم وتكتمل المنظومة وتتطور، لتصل إلي الإحتراف بجدارة.

الجديد في هذا العالم هو استغلال البعض منهم أسماء وشخصيات لها وجود حقيقي، لتسهيل مهامهم الاحتيالية، فيستخدم البعض مثلًا بعض أسماء رجال الدولة، أو بعض مستشاري القضاء، أو صفة رجال الشرطة والجيش ليصبغوا خطتهم بصبغة المصداقية، حتي تطمئن لهم الضحية رجلًا كان أو إمرأة، وتقع في النهاية الفريسة في مصيدة المحتال المحترف.

الغريب في الموضوع قوة وثبات محتال هذا العصر، فالبعض منهم يدرس الشخصية المرسومة دراسة وافية، ويبدع في جمع المعلومات حول المهنة المستغل اسمها في عملية النصب حتي يتمكن من تفادي المفاجآت التي قد تحدث بينه وبين الضحية، وقد يكون بالفعل البعض منهم قد إمتهن تلك المهن المرموقة ثم تسبب لنفسه بفعله أو بفعل آخرين إلي الرفد، فيغير وجهته إلي جهة الجريمة، بدلًا من أن يبدأ حياته من جديد، ويسلك طريقًا شريفًا حتي ولو كان محفوف بالصعوبات.

المحزن أن المحتال يهدر عمره بين الحيلة والمكر ويستغل ذكاءه في النصب علي الآخرين، متناسيًا أن الأرزاق محسومة قبل هبوط البشر علي الأرض، فرزقه لن يصيب غيره، مهما حدث، ولو صبر وسعي في حلال سوف يحصل علي ما قد حصل عليه من نتاج الإحتيال بنفس المقدار وفِي نفس التوقيت، ولكن سوف يأتي تلازمه البركة، بدلًا من أن يحصل عليه بالحرام، فيتحول إلي جمرات تهري البدن.

ومن صور الاحتيال المنتشرة عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، النصب علي الفتيات عن طريق طلبات الزواج، فالمحتال يراقب بدقة الضحايا، ثم يرسم خطته، ويحاول التواصل مع الفتيات والنساء علي حد سواء، وينسج خيوط عنكبوتية حول فريسته، يستغل فيها رغبة بعض الفتيات في الارتباط ، أو وحدة بعض النساء المطلقات، ثم يتقدم بصفة مزيفة، ويروي قصص وروايات تعطي مصداقية للشخصية الوهمية، حتي تتعلق به الضحية، وتقع في غرامه، ثم تتحول الكلمات والحوارات المتبادلة إلي لقاءات متتالية، حتي يضمن تمامًا ارتباط الضحية به ورغبتها في الزواج منه، ثم تتحول الأحداث لطلبات ابتزاز مادي كان أو جسدي، حتي يصل إلي مبتغاه، ثم يختفي فجأة وتنقطع الاتصالات، وتدرك حينها الضحية بعد الخسارة المادية أو الجسدية أنها كانت فريسة لعملية احتيال.

نوع آخر من الإحتيال تبدع فيه بعض النساء والفتيات، أيضًا باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع المواعدة، تجيد البحث حتي تجد الرجل المناسب ذو المال والجاه والسلطة، وتستغل رغبة بعض الرجال في التسلية بإمرأة أخري، وترسم دور الأنثي مكتملة الأنوثة ، حتي يتعلق بها، وقد توهمه بالبكاء عليه ، خوفًا من فراقه، و قد ترتدي ثوب الفضيلة والأخلاق، وتزرع بقلبه الطمأنينة بأنها لن تتسبب في هدم بيته وتشريد أولاده، وأنها تكتفي بقدر قليل من الإهتمام منه، حتي يزداد تعلقه بها، ثم تتزوج به أو ترافقه لحين التمكن منه تمامًا ، وتخيره بينها وبين أسرته، فيختارها البعض أحيانًا وتنهدم الأسرة وتتفكك، وتنجح الخطة وتبدأ في استغلال وضعه وماله لتأمين نفسها وتحقيق أحلامها علي أنقاض أسرة بأكملها.

الإحتيال متعدد الطرق، ومختلف الأساليب، مهما كانت نهايته مبهجة لبعض الوقت في النهاية سوف يدفع كل محتال الثمن، وسيظهر علي حقيقته، وينكشف المستور، قد يتم النصب عليك بصورة أو بأخري، وقد لا تستطيع استعادة الحقوق المنهوبة لبعض الوقت، ولكن استحالة أن يستمر الوضع، للأبد فالستر له رصيد ، يمنحك المولي عز وجل قدر منه، إذا تعديته وعاندت ، وسترك وأعطاك الفرصة للتوبة ولَم تتوب،قد يعطيك فرصة أخري أو ربما بعض الفرص، ثم ينتهي الرصيد فجأة وتجد نفسك عارِ من الستر، مفضوح بين الناس، مصيرك الهلاك .

مهما كانت قدرتك علي الإبداع في الإحتيال، تذكر أن المولي عز وجل عندما وصف كيده وصفه بالمتين ، حيث قال في كتابه الكريم (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ) وقال (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ).

عش ما شئت فإنك ميت، وانصب كما يتراءى لك ظنًا منك أنك شديد الذكاء والحيلة، وانتظر لقاء المولي عز وجل، يوم تنصب الموازين ، ويقضي الله تعالي في علاه بالحق بين الناس، وتحمل مصيرك، صنع يديك، يقول المولي عز وجل (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ )فما أسوأ أن تلقي بنفسك بكامل إرادتك في جهنم وتندم حين لا ينفع الندم.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط