الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

جمهورية زفتى


لشهر مارس ذكريات جميلة في نفسي، ترتبط بيوم مولدى الذى هو ذكرى قيام أول جمهورية عربية فى التاريخ وهى جمهورية زفتى التى أعلنت الاستقلال فى يوم ١١ مارس ١٩١٩, لتكون أول ثورة عربية في التاريخ وكذلك أول جمهورية مستقلة مكثت في عداد التاريخ ١٢ يوما فقط .. ومنذ سنوات كنت قد أعددت ونشرت تحقيقًا صحفيًا عن أسباب وذكرى قيام الثورة, والتقيت ببعض أبطالها قبل أن ينتقلوا للرفيق الأعلى, وكانوا أيام الثورة صغارًا كبارًا بالمواقف التى مروا بها, فلقد التقيت بالراحل "أحمد محمد عجينة" الملقب حينها بطفل الثورة الشجاع الذى نما وأصبح جدًا بعد ذلك.

وكانت أحد أسباب قيام الثورة في أنحاء مصر واشتعلت في مدينة زفتى على وجه الخصوص هو ظُلم الاستعمار الإنجليزى ورغبة أبناء مصر فى الاستقلال, فعقب انتهاء الحرب العالمية الأولي طالب الزعيم سعد زغلول بتشكيل وفد من المصريين لحضور مؤتمر الصلح في باريس وعرض مطالب الشعب المصري بالاستقلال فرفضت سلطات الاحتلال الإنجليزي آنذاك سفر سعد ورفاقه وقامت قوات الاحتلال الإنجليزي باعتقال الزعيم المناضل "سعد زغلول" ورفاقه "مكرم عبيد", "سنيوت حنا", "أحمد باشا الباسل", "محمد باشا محمود", "إسماعيل صدقى باشا", "فتح الله بركات", "عاطف بركات", وتم نفيهم إلى جزيرة "سيشل", وكان ذلك يوم ٨ من مارس ١٩١٩, لإثنائهم عن السفر. 

ورفض الشعب المصرى بكل طوائفه قرار الاحتلال, وخرج المصريون مسيحيون ومسلمون رجال ونساء فى مظاهرات صاخبة للمطالبة بالإفراج عن سعد ورفاقه. وفى الدلتا العظيمة كانت تقبع مدينة زفتى التابعة لمحافظة الغربية علي النيل الهادي بينما شوارعها تعج بالتظاهرات للمطالبة بالإفراج عن الزعيم ورفاقه، وكما أكد لى صديقي الراحل "محمد يوسف الجندى" أن والده المحامى "يوسف الجندى" قاد المظاهرات يوم التاسع من سبتمبر ١٩١٩ ومعه مجموعة من أبناء زفتى الشرفاء, منهم ابن عمه عوض الجندي و عوض الكفراوى, محمد عجينة - صاحب مكتبة كانت تُعد المنشوارات لتوزيعها على أبناء الشعب و الشيخ عمايم و الفخراني - وخرجت التظاهرات وتجمع قادتها بقيادة والده المحامي  يوسف الجندى, واجتمعوا يوم العاشر من مارس فى مقهى "مستوكلى" بالقرب من النيل, وقرروا الانفصال عن الاحتلال وإعلان زفتى جمهورية مستقلة, وأصدروا بيانًا بذلك يوم الحادي عشر من مارس , نشرته صحيفة التايمز اللندنية في اليوم الثاني . وتم تشكيل مجلس قيادة الثورة وإعلان الجمهورية برئاسة يوسف الجندي المحامي.

وتشكيل قوات أمنية لحماية مداخل ومخارج المدينة ايضا انشاء لجنة نظافة ولجنة الإمداد والتموين ولجنة الحماية الأمنية التي تشكلت بعد انضمام مأمور المركز آنذاك القائمقام اسماعيل حمد وقام بفتح السلاحليك لابطال الثورة وأمدهم بالسلاح وانضم للثورة احد عتاة الاجرام آنذاك و يدعي سبع الليل الذي رجا أبطال الثورة أن ينضم اليهم ليكفر عن ذنبه ويساهم في تحرير وطنه معهم وكان له دور إيحابي في قطع الطرق عند مداخل المدينة.

وقام مع أبناء زفتى بقطع الطرق والسكك الحديدية لمنع قوات الاحتلال من الوصول إليهم أو إرسال قوات إضافية لوأد الثورة. واستمرت جمهورية زفتى ١٢ يومًا عانت خلالها من قصف غير متكافئ بين الطرفين، وكانت مطبعة "محمد عجينة" التى تطبع المنشورات مستهدفة, وحكى لى البطل الراحل "أحمد محمد عجينة" أن سلطات الاحتلال هاجمت المطبعة, وكانت المنشورات المناهضة للاستعمار معدة للتوزيع فى صندوق خشبى, وعندما اقترب جنود الاحتلال من المطبعة أمره والده الراحل "محمد عجينة" بأن ينام على الصندوق, ويمثل المرض لكى لا يفتحه الجنود, وأضاف الراحل : كنت طفلًا حينها, ومثَّلت الدور بإتقان, وحفظنا الله ولم ينتبه الجنود للصندوق الذى أنام عليه وسط تأوهاتى, وبعدها قمنا بتوزيعه أنا ووالدى على أبناء زفتي لحثهم علي مقاومة الاحتلال . أيضًا كنت التقيت الاستاذ الراحل عطية عمايم وهو نجل الراحلة الحاجة "نعيمة عمايم" و أكد لى أن والدته كانت تحمل السلاح فى داخل جلبابها, وتحت السمك الذى كانت تضعه فى سَبَّت من الخُوص, وتقوم بتوصيله لأبطال المقاومة, وحكى لى صديقى الراحل ايضا "محمد يوسف الجندى" بطولات والده زعيم الجمهورية, وكان من أهم عناصر الثورة انضمام مأمور مركز زفتى حينها "إسماعيل حمد باشا" الذى أمره الإحتلال بالقبض على قيادات الثورة فقام بالقبض على عملاء الإنجليز فى زفتى وقدمهم لهم علي انهم من رجال الثورة وقاموا بإعدام رجالهم. 
ومع عدم تكافؤ الفرص والسلاح ومقاومة أبطال زفتى الشديدة وإعلان جمهوريتهم كان العالم يشتعل بسبب اعلان تلك الجمهورية وخشية من امتدادها للبلدان العربية المحتلة , وانضمت قوافل بلجيكية واسترالية وانجليزية لقوات مهاجمة أبطال ثورة زفتى التى واصلت النضال لمدة ١٢ يومًا وقامت قوات الاحتلال بعمليات انزال عبر النيل من خلال عشرات المراكب لقواتها لتندفع باتجاه شوارع المدينة تطلق النيران في كل الاتجاهات حتى تم القضاء على الثورة فى ٢٣ من مارس ١٩١٩, والقبض على بعض أبطالها لكن استطاعت ام المصريين السيدة صفية زغلول ان تتمكن من اخفاء يوسف الجندي زعيم ابطال ثورة زفتي بعيدا عن اعين الانجليز بعد ان لجأ اليها وبعض رفاقه في قرية مسجد وصيف احدي قري مركز زفتي . واندلعت الثورات التحررية بعد ذلك في مصر ؛ حتى تم الإفراج عن أبطال الثورة فى إبريل من نفس العام في الوقت الذي تم فيه ايضا الافراج عن الزعيم سعد زغلول ورفاقه و السماح لهم بالسفر لعرض مطالبهم علي المجتمع الدولي في ابريل من نفس العام ... و لتكون ثورة زفتى وإعلان الجمهورية المستقلة إحدى منارات ثورات التحرر للعالم العربى بعد ذلك. ولكن الآن تلك المنارة تعانى الإهمال والتدنى فى سوء الخدمات؛ لفشلنا مع التعامل مع كونها من الممكن أن تكون مزارًا سياحيًا وثقافيًا للباحثين فى التاريخ وتوثيق الأماكن التى قامت منها أول ثورة عربية تنجح فى إعلان أول جمهورية عربية في التاريخ .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط