الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

"ريبانزيل" .. و "تاج" المسرح النظيف!


عندما فاز العرض المسرحى "سنو وايت" بجائزة أفضل عمل فى الدورة الأخيرة لمهرجان المسرح القومى بالقاهرة، كان لى تحفظ على الاختيار نظرا لأن العروض والتجارب الأخرى المتنافسة تحظى بالدسامة والعمق الفنى مقارنة بهذه النوعية من العروض التى تختص بمخاطبة عقل الطفل فى المقام الأول والعمل على توعيته وتربية أخلاقه وذوقه .. وكنت أُفضل منح العرض وقتذاك جائزة خاصة تقديرا لتميزه واحتراما لدوره التنويرى فى بناء البراعم الصغيرة وتشكيل سلوكياتهم، ولكن شعورا بالفخر امتلكنى لحصول تجربة فنية بريئة وخيالية على هذا التكريم باعتباره تشجيعا على تبنى هذا اللون من المسرح ودعم وجوده فى ساحتنا الثقافية كمصدر مهم ورافد حيوى فى عملية الارتقاء بعقول ووجدان النشء وتقديم وجبة إنسانية خفيفة ومرحة للأسرة المصرية الباحثة عن أى شيء أو وسيلة لغسل همومها ونسيان أوجاعها ومشاكلها!.

وتضاعفت هذه المشاعر مع توالى سلسلة هذه العروض التى تتخذ من القصص والحواديت العالمية المعروفة فرصة لرسم شخصيات من لحم ودم على خشبة المسرح وتطعيمها برسائل إنسانية وفلسفية ناعمة ممتزجة بكوميديا راقية وخفة ظل تشع بهجة وارتياحا .. وبقرار من المؤلف والمخرج المختلف محسن رزق قاد سفينة الإبداع فى بحر الطفولة والبراءة ليغوص فى أعماق الخير والشر من خلال نصوص أبطاله من عالم الخيال، وبعد "سنو وايت" و"أليس فى بلاد العجائب"، أضاف دُرة جديدة إلى "تاج" المسرح النظيف بعرض "ريبانزيل" عن الأميرة المفقودة ذات الشعر الأصفر الطويل وحكايتها مع اللص الوسيم "فلين رايدر" .. وعزف المخرج مع أوركسترا فريق عمله البارع سيمفونية مسرحية تحمل نظافة الفكرة والمضمون، وظهر أسلوب المعالجة والتناول على نفس المستوى من النقاء بعد أن استغل القائد الفضاء المسرحى لتشكيل لوحات بصرية مبهرة .. من إضاءة موحية بالأجواء الدرامية المنغمسة فى الشاعرية والشفافية .. وديكور ينطق بالتفاصيل المعبرة .. وملابس عنوانها البساطة والأناقة معا .. واستعراضات متقنة التكوين مع أشعار تهضم المعانى وتذوب فيها الكلمات والقيم.

ولا يكتمل كل هذا التناغم بدون مواهب تمثيلية تصنع من أدائها الصوتى والحركى حالة فنية متوهجة وصادقة .. وكانت تلك مهمة النجمة البراقة مروة عبد المنعم باندماجها المذهل مع مفردات ومشاعر كل بطلة خيالية من عمل لآخر، والعملاقة عايدة فهمى بتفوقها فى تجسيد نماذج الشر وقدرتها الفائقة على تلوين صوتها على نحو مُلفت حرفيًا، والواعد مصطفي حجاج بامتلاكه حسا كوميديا واضحا ومذاقا خاصا فى الجمع بين الحركة والغناء والتشخيص .. وتبلغ الصورة المسرحية قمة جمالها بالتزام كل عضو من بقية الممثلين والراقصين بالدور المكتوب لهم والاجتهاد فى التجويد بما يخدم العرض ويُثرى من رسالته .. وحتى كلمة التحية وإسدال الستار يصر المخرج المجاهد مع كتيبته على احترام الجمهور وتوديع الأطفال فى نهاية العرض بأكثر الأساليب رقة وعذوبة تنتزع التصفيق لفرط حفاظها على براءة التجربة ونظافتها!.

وأعظم ما فى منهج وطريق محسن رزق ومجموعته هو مقاومة انحدار الذوق وفساد المُناخ الثقافى، وتصدير طاقة إيجابية إلي المتفرج - صغيرا وكبيرا - ليشاهد مسرحا خالصا من شوائب التجارة وفكر السوقة وسموم الابتذال .. ولايبالى مخرجنا بطول المشوار أو عناء السفر طالما تنتهى رحلته مع كل ليلة عرض باطمئنان الأسرة البسيطة إلي أن هناك من يحرص على بناء وحماية أبنائها .. وسيظل للمسرح النظيف جمهوره وعشاقه .. وتاجه الكبير!.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط