الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أردوغان وسقوط مشروع الإسلام السياسي


لم يكن فشل أردوغان في الانتخابات البلدية مفاجئًا لأحد سوى للسيد أردوغان وحزبه وكذلك للمرتزقة من الإسلام السياسي إن كانوا من سوريا أو مصر أو ليبيا، والأهم لدويلة قطر. هذا السقوط الذي لم يستسغه أردوغان وأفراد حاشيته من المرتزقة الانكشاريين أيتام السلفية العثمانية. إذ، راح يتوعد كل من خالفه الرأي وقال له "كفى"، بعواقب ما جنت أيديهم ويصفهم بالارهابيين والعملاء.

كل ذلك لم يكن بجديد. إذ، أن التاريخ مليء بأمثاله من الدكتاتوريين والفاشيين الذين لم يصلوا لعرش السلطة، إلا بقهر شعوبهم وترهيبهم بنار جهنم إن هم لم يسجدوا له متعبدين. كان هناك هتلر النازي وموسوليني الفاشي خلال الحرب العالمية الثانية واللذين سقطا وانتهيا بمجرد انتهاء الحرب. كانوا خير سماسرة الحروب في تلك الفترة وعرفوا كيفية توظيف الحرب لبناء وهمًا من الكبرياء والغرور من جثث الشعوب على شواطئ أنهر من الدم أريقت كرمىً لعيون العصبية الأثنية والدينوية. لم يشفع العرق الآري الذي تغنى به هتلر واعتبره أنقى الأعراق، وكذلك العرق الطلياني لم يكن بذاك الترياق لإرواء ظمأ فاشية موسوليني. وبنفس الوقت لم يكن سبيل "الاسلام هو الحل"، معبدًا كفاية لإيصال الإخوان المسلمين نحو الفردوس المفقود.

سقط مشروع الدولة القوموية العصبوية بسقوط هتلر وموسوليني وأخذت أوروبا الدروس والعبر بعد ما حلَّ فيها من خراب ودمار وقتل، لتتحول بعد ذلك إلى نظام اتحادي بعيدًا عن العصبيات القوموية والدينوية. ووصلت أوروبا إلى ما هي عليه الآن.

ربما يتحتم على شعوب ومجتمعات الشرق الأوسط وأفريقيا أن تمرّ بنفس التجربة التي كانت تعيشها أوروبا قبل عقود من الزمن حتى نتعقل ونخرج من مستنقع المهزلة والمأساة. عيب فينا وليس علينا ألا ندرس التاريخ ونستوعبه كي ننجو من المصير الذي يواجهنا في مزيدًا من الذل والخنوع والانبطاح الجسدي، لنفتخر بعدها أننا أمة ما زالت تحيا وأننا "خير أمة أخرجت للناس"، لنؤكد للشامتين والمتربصين بنا، أننا لم نمت بل تحولنا إلى "ظاهرة صوتية" فقط وهو عزاؤنا أننا ما زلنا على قيد الحياة. أما "الحياة" بحد ذاتها فلا يهمنا كيف ولماذا ولمن نعيشها؟؟؟.
هتلر لم تشبع عينيه بعدما احتل معظم أوروبا، فتوجه بجنوده نحو الشرق ليُجهز على ما كان يُسمى يومًا ما بالاتحاد السوفيتي، إلا أنه سقط هتلر على أبواب موسكو. ربما سيكون المصير ذاته الذي سيلاقيه دكتاتورنا المعاصر السيد أردوغان ومرتزقته الانكشاريين من مخلفات الإسلام السياسي. 

لم يسقط ويفشل أردوغان في الانتخابات الأخيرة، كما يحلل ويدعي البعض. بل كانت رسالة السقوط حينما سقط مُرسي في القاهرة، والتي لم يقرأها أردوغان جيدًا. وفي هذه الفترة بعث السيد أوجلان برسالة عبر المحامين ووزارة العدل إلى أردوغان تركيا مفادُها "إن لم تصحح وتراجع حساباتك الخاطئة، فإن نهايتك لن تختلف عما لاقاه محمد مرسي في القاهرة". من حينها وهو يسير على درب الفشل تلو الفشل متوجهًا نحو السقوط المدوي والمحتم الذي سيلاقيه حينما يحين موعده، وهو ليس ببعيد.

سقط أردوغان حينما سقط محمد مرسي، وسقط في الانتخابات البرلمانية في تموز 2015 حينما أعاد الانتخابات عنوة بعدما حصد حزب الشعوب الديمقراطية مزيدًا من الأصوات والتي أدت إلى اعتقال صلاح الدين دميرتاش رئيس الحزب، وسقط في الاستحقاق الرئاسي حينما فاز بطعم العلقم وعمليات التزوير واحتلال عفرين، وكذلك سقط حينما تحررت كوباني والرقة، وسقط حينما سقط داعش في الباغوز، واليوم في الانتخابات البلدية سقط مرة أخرى على يد حزب الشعوب الديمقراطية الذي أعطى أصوات ناخبيه للمعارضة في المدن الرئيسية الكُبرى.

متوالية سقوط أردوغان تركيا ستستمر إلى أن يأخذ تركيا والمنطقة معه نحو الجحيم. إنه ديالكتيك سقوط الدكتاتوريين الذي لا بد أن يعيشوه ونعيشه معهم. وكل ما نعيشه ونراه الآن، ليس سوى محصول ونتاج ما زرعناه نحن الشعوب في تأليه الإنسان والسير كقطيع خلف دكتاتوريات نحن صنعناها بأيدينا. كما فعل الجاهليين حينما كانوا يتعبدون ربهم الذي صنعوه بأيديهم من تمر، ويأكلونه عندما يتضورون جوعًا. حلقة مفرغة من الحياة لا بد للشعوب المستهلكة وغير المنتجة فكريًا أن تعيشها، إلى أن يقضي الله أمرًا ويهدينا.

مسلسل السقوط سيستمر من الآن وصاعدًا أيضًا وسيزداد أردوغان تركيا وحشية وظلمًا وقتلًا وتدميرًا. وسيحاول بكل إمكاناته أن ينقل ويُصَدّر السقوط والفشل الداخلي (سياسيًا – اقتصاديًا – اجتماعيًا – ثقافيًا - مجتمعيًا)، نحو الخارج إن كان عبر تهديداته بغزو واحتلال شمالي سوريا أو تدخله السافر في ليبيا، بعدما أعلن حفتر عن نيتهم في تحرير طرابلس من داعش. لتلتحق طرابلس أن تلبس ثوب الحرية كما شقيقاتها في كوباني (عين العرب) والرقة والباغوز.

كلُ سقوط لأردوغان تركيا لا يعني سوى شيئًا واحدًا، ألا وهو انتصار المجتمعات وأخوة الشعوب. وكل حاملي راية الأمة الديمقراطية الذين يصارعون الفكر العصبوي القوموي. والذي سيكون عنوانًا للمرحلة المقبلة وهو أنه بداية سقوط مشروع ما سُمّي الخلافة الأردوغانية العثمانوية للشرق الأوسط الجديد وبداية انتصار مشروع أوجلان في الأمة الديمقراطية للشرق الأوسط الديمقراطي.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط