الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الدرس انتهي لموا الكراريس


تلك هى البكائية الشهيرة التى افتتح بها صلاح جاهين أحد أشهر قصائده فى يوم أربعاء دموى حزين ولكنه ليس مكسورًا، لأنه لم يستطع كسر عزيمتنا ولا عقيدتنا ولا إيماننا بوطننا وجيشنا فى وقتها رغم الألم والمرارة والإحساس بالخوف الذى كان يريد الصهاينة أن يسكننا بأي وسيلة، حتي وإن كنت إحدى الوسائل وهى إطلاق ثلاث قنابل علي مدرسة صغيرة مكونة من طابق واحد، لا تحوى غير ثلاثة فصول دراسية، فى قرية صغيرة داخل محافظة الشرقية، يوم الثامن من أبريل عام 1970.

نعم هى مذبحة مدرسة بحر البقر.

ولأن جاهين شاعر صاحب إحساس عالٍ وانفعال لحظى كتب: (الدرس انتهى لِمّوا الكراريس، بالدم اللى على ورقهم سال، فى قصر الأمم المتحدة، مسابقة لرسوم الأطفال، إيه رأيك فى البُقع الحمرا، يا ضمير العالم يا عزيزى، دى لِطفلة مصرية سمرا، كانت من أشطر تلاميذى، دمّها راسم زهرة، راسم راية ثورة، راسم وجه مؤامرة، راسم خلق جبارة، راسم نار، راسم عار، عـ الصهيونية والاستعمار) فى نفس اليوم، ولحنها الشيخ سيد مكاوى (المصرى جدا فى كل ألحانه) فى نفس اليوم، وغنتها شادية (صاحبة أشهر أغنية وطنية حتى اليوم) كذلك فى نفس اليوم.

لم يكن ذلك صدفة أبدا، ولكنه الإيمان بالوطن وقيمته وقدره الذى يعلو علي كل إحساس، تحولت الفجيعة إلي ملحمة وطنية ملهمة، تثير خليط من المشاعر الإنسانية والوطنية، تجعل قلبك يبكى علي أطفال وعائلات، ولكن فى نفس الوقت تقول لك أصمد، فالنصر آت، والثأر آت.

مع تلك الذكري استوقفتني جملة الدرس إنتهي لموا الكراريس، ورغم أنها بكائية لم يقصد بها الشاعر سوي أنامل صغيرة وأيادى تحتضن الحياة، إلا أننى أتساءل: علي من كان جاهين سيطلق جملته هذه بسخريته المعروفة اليوم؟

أعتقد علي أجيال ساقها التغريب والتجريف لنسيان أقرب أحداث وطنها، أجيال تجد فى رفض كل شيء، والتمرد على أى شيء حق.

الحقيقة أننى لا أستطيع أن أظلم أبناءنا وشبابنا وأحملهم وحدهم مسئولية إحياء ذكري حدث مهم مثل هذا، أو حتي عدم معرفتهم وسماعهم عنه شيئاً.

حيث إن التغريب قد طال آباءهم وأمهاتهم قبل أن يصل إليهم، فلا دور توعوى ثقافى حقيقى يلعبه الوالدين مع أبنائهم وذلك لأسباب عديدة ليس مجالها الآن .

بينما المسئولية الأهم والمحزنة تقع علي كل من يدعى لنفسه دور سواء كان تعليميًا أو ثقافياً أو تربوياً، ولا يتحمل أعباءه!!

بداية من معلم الفصل فى جميع المراحل، وكل أنواع التعليم، معلم الموسيقي والرسم ومجلات المدرسة والإذاعة المدرسية، مرورا بأستاذ الجامعة والمسؤولين عن الأنشطة الطلابية بها، إلي أشكال التواصل الاجتماعي ومن ينظرون فى صفحاتهم بها طوال الوقت، إلي الإعلام بأشكاله وأنواعه وبما يملكه من أدوات اتصال .

هل لم ينتبه أحد هؤلاء أننا فى حضرة ذكري عظيمة ليوم يمكن أن يتجلي به حب الوطن؟ هل لم يسمع أحدهم أن إسرائيل تحفظ أجيالها قصة تسمي (الهولوكوست) بدأت كما يقولون من قبل بدايات الحرب العالمية الثانية، وتحاول إقناع من تستطيع فى أنحاء العالم كل عام أنها ضحيته ؟
أم أن هذا التناسى هو ما نجنيه من سنين تغريب طالت مجتمعنا و مكونه الصلب ونجحت فى حلحلة طبقته المتماسكة!!

وإن كان كل هذا يحدث ويزداد تناسى الأحداث والبطولات والتاريخ كل عام عن سابقه، فهل أيضا القائمين علي التعليم و الثقافة عليهم أن يظلوا فى مقاعد المتفرجين!!

هل لنا أن نطمح أو نطمع أن نقرأ فى دروس اللغة العربية لأبنائنا قصائد مثل تلك، أن يتضمن منهج الفنون درساً عن هذا الحدث أو ذاك، وأن يتم إلزام المدارس والجامعات بإحياء تاريخنا حتي لا نصطدم بمحوه من الذاكرة بعد انقضاء من مازالوا يتذكّرونه كما هو مُخطط !!

ووقتها من الممكن أن نصبح على الصهاينة يتباكون على المدرسة التى قصصناها نحن لهم!!

أرجوكم أن تقصوا على مسامع أبنائكم وأقاربكم ومعارفكم عن كل مناسبة، وبطولة، وذكري، حتي نقاوم من يريد لنا التناسى.

ذلك قدرنا أن نظل نقاوم، وأول المقاومة عدم التشتت، وتلقين تاريخنا وتذكره عند كل مناسبة، حتي يستفيق من عليه أن يتحمل عبء دوره .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط