الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

فاطمة .. والبابا!


الموظف إنسان عادى .. يعمل تحت ضغوط الحياة ويمكن أن يتأثر مزاجه بظروف معينة ويتصرف أحيانا بأسلوب يتنافى مع الأصول وقواعد اللياقة .. ولكن المواطن لاذنب له ويستحق المعاملة الطيبة وخدمة مصالحه على أكل وجه دون تقصير أو نفور .. فما بالنا إذا كان هذا المواطن من صفوة القوم ويحظى بمكانة مرموقة تجبر الموظف على ضرورة الاحترام وتغليب أدب السلوك على المشاعر الشخصية؟!.

ولم يعد موظف هذه الأيام معزولا عن العالم كما كان الحال فى الماضى، وصار مرصودا من "ميكروسكوب" وسائل التواصل الاجتماعى و"المُخبر الإلكترونى" ليراقب كل شئ داخل المصالح الحكومية وعلى مكتب أصغر موظف لفضح أى تجاوز أو كشف شبهة تلاعب بحقوق المواطنين .. ولعبت "كاميرا" الموبايل دور الجاسوس لتعويض غياب الرقابة والتفتيش اليقظ على أداء المسئولين باختلاف مواقعهم ودرجاتهم، وكان الحظ من نصيب السيدة فاطمة عبد اللطيف لتجلس أمام لحظة تصويت قداسة البابا تواضروس فى إحدى لجان الاستفتاء على التعديلات الدستورية .. وظهرت بوجهها المُتجهِّم و"تكشيرتها الشاردة"، ولم تنهض واقفة احتراما لوجود البابا أسوة بما كانت ستفعله لو كان ضيف اللجنة فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر وفقا لما يتردد علي الألسنة أو يدور فى الأذهان!.

والتقطت كاميرا المخبر الصورة فى لمح البصر، وتداولتها المواقع وصفحات الفيس صائدة الأخطاء، وتحركت القيادات فى وزارة العدل لتوبيخ "فاطمة" والتفكير فى التحقيق مع "الموظفة الكِشرية"ومعاقبتها جزاء لفعلتها وعبوسها فى وجه البابا .. وعند هذه النقطة علينا أن نتوقف لحصر الواقعة فى حدودها دون مبالغة أو تضخيم!.

أدبيا، أرى أن السيدة الموظفة بـ "تكشيرتها" قد جانبها الصواب فى التعامل مع الموقف، وكانت خبرتها تحتم عليها الاهتمام بمشاركة البابا فى الاستفتاء واستقباله بالصورة الملائمة للتأكيد على عمق الوحدة الوطنية فى النسيج المصرى وتعزيز مفهوم التسامح الدينى ردا على أفكار ومشاهد مسمومة تسيء إلى العلاقة الصحية بين المسلم والقبطى .. وفى حالة التصرف على نحو أفضل، كان من الممكن أن يخرج المشهد بجوانب مضيئة ورسائل إيجابية تتحول إلى مادة ثرية للتفاعل الاجتماعى على الإنترنت بدلا من نبرة التشكيك فى النوايا والسخرية المريضة ..
 ولايوجد أبلغ من رد فعل قداسة البابا بـ "ابتسامته السمحة" إزاء ما حدث عندما رفض فكرة التحقيق مع الموظفة فى لمحة راقية تنطق بالترفع عن الصغائر وقشور الأشياء!.

وما صدر عن "الست فاطمة" لا يعدو مجرد خطأ فى التقدير لا يستوجب العقاب الرادع بقدر ما يقتضى التنبيه ولفت النظر بأسلوب حضارى يحترم وضعها وآدميتها خصوصا وأن أدوات الميديا لم تُراعِ سنها وجرحت مشاعرها بالتهكم السخيف .. وإثارة الضجة بلا روية أو عقل لاتجلب إلا الإزعاج ولا تسفر عن علاج .. وكلنا نتواصل على الفيس وتويتر ونحاول معرفة الحقائق عبر هذه المنصة العصرية، وأخطر شئ أن ما نستخدمه لكشف السلبيات والمساوئ يكون مصدرا للإساءة وانتهاك الكرامة والانتقاص من احترام الغير .. ومرحبا بالتكنولوجيا وعالمها الافتراضى إذا كانت "عينا ساهرة" على إحياء القيم وعودة الأخلاق والسلوك الطبيعى، بشرط تحرِّى الدقة فى أى معلومة ووضعها فى إطارها الحقيقى .. وأرجو ألا يأتى غدا موظف آخر تفضحه "عين الكاميرا" دون أن يتعلم من هذه الواقعة شيئا، فنضطر إلى تكرار الكلام وإعادة الدرس!.




المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط