الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

افرحوا وأبشروا.. بشهركم الفضيل


نفحات ونسمات ربانية تهل علينا الآن من ربنا الجواد الكريم، رحمة، ونورا، وبشرا، وفرحا، وحبا، لأمة حبيبه المصطفى ، ويا لها من نفحات، أمرنا حبيبنا فخر الكون أن نلتمسها ونغتنمها، ونتعرض لها، في قوله : "إن لربكم في أيام دهركم لنفحات، ألا فتعرضوا لها"، ولله درهم أسيادنا الصحابة وسلفنا الصالح حين أخذوا بها، خير أخذ وتعرض، يقول المعلّى بن الفضل: "كان السلف يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم"، ويقول يحي بن أبي كثير: "كان من دعائهم اللهم سلمني إلى رمضان، وتسلمه مني متقبلا".

وها هى ساعات قليلة ونعيش تلك النفحات الربانية، فتمتلئ المساجد بالمصلين الصائمين، القائمين، المتهجدين، وتضج مكبرات صوت مساجدنا بالقرآن الكريم، والدعاء لله، وما أحوجنا أن نشكر ربنا سبحانه أن بلغنا تلك الأيام المباركات، وهذه الطاعات، وأن نستقبلها استقبالا يليق بالضيف المبارك، وما حواه فضله، ولما لا وهو مدرسة ربانية تفتح أبوابها كل سنة شهرا كاملا ليتدرب فيه العباد على طاعة الله عز وجل والإمساك عن معاصيه، يقول رسول الله : قال الله: "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه"، ويقول جابر: "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك سكينة ووقار يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء"، وكان السلف إذا صاموا جلسوا في المساجد، وقالوا: نحفظ صومنا ولا نغتاب أحدا.

كما حرى بنا أن نستقبله بالتوبة الصادقة الى الله تعالى، وبسلامة الصدر تجاه عموم المسلمين، ولكل من نعرفه، حتى وإن كان مشاحنا معنا، مصداقا لقول ربنا تعالى: "والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل فى قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم"، وقوله سبحانه أيضا: "ونزعنا ما فى صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين"، وقال حبيبنا وقدوتنا : "إن أول من يدخل من هذا الباب، رجل من أهل الجنة"، فدخل عبدالله بن سلام، فقام إليه ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بذلك وقالوا: أخبرنا بأوثق عمل فى نفسك ترجو به، فقال: إنى لضعيف، وإن أوثق ما أرجو به الله سلامة الصدر، وترك ما لا يعنيني، وسئل : أى الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب، صدوق اللسان، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو النقى التقي، لا إثم عليه، ولا بغي، ولا غل"، بل شرط نبينا فى الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويقول ابن العربي: "لا يكون القلب سليما، إذا كان حقودا، حسودا، معجبا، متكبرا"، وقال سفيان بن دينار: قلت لأبى بشير وكان من أصحاب عليّ: "أخبرنى عن أعمال من كان قبلنا؟ قال: كانوا يعملون يسيرا، ويؤجرون كثيرا، قلت: ولم ذاك؟ قال: لسلامة صدورهم".

ولتعلم أخى الصائم أن اقتصادكفى طعامك وشرابك، أدب من آداب الصيام، وكثير من الناس ـ إلا من رحم ربى ـ يتخذ رمضان شهرا للتبذير والإسراف والتفاخر بعمل موائد تحوى ما لذ وطاب من الطعام والشراب، ولربما كان جاره بجواره جوعان، لكن يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، وأن الإسراف فى المأكل والمشرب من الأمور المنهى عنها عامة، يقول ربنا ـ عز وجل: "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين"، ومن طامته الكبرى انه يثقل النفوس عن أداء العبادات، وقد ثبت عن النبى أنهقال: "إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم"، ولهذا إذا أكل أو شرب الإنسان بإسراف اتسعت مجارى الشيطان، ولهذا قيل: "فضيقوا مجاريه بالجوع"، ويقول عمر: "من كثر أكله لم يجد لذكر الله لذة"، فاجعلأخى الصائم من شهرنا الكريم شهر إطعام وإحسان إلى الفقراء واليتامى والمساكين وأصحاب العَوَز، وليكن فرصة لتوطين نفوسنا على الاعتدال فى المأكل والمشرب والإقلاع عن التبذير والإسراف حتى لا نُعد من إخوة الشياطين.

كماعلينا ونحن نتلمّس سبيل رشد الشهر الفضيل -مع فتح أبواب الجنة وغلق أبواب النار-أن نحذر لصوص رمضان، الذين لن يتركونناننعَم بعظيم فضله وطاعته وبركته، الذى حذرنا منهم المولى سبحانه في قوله: "وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا" فالله يريد لنا التوبة، ويريد أهل الضلال أن نضلّ، وتزلّ قدمنا عن الطاعةمثلهم، فلنحذر تضييع وقتنا أمام المسلسلات، والبرامج التافهة، الهابطة ...الخ، ولنحذر الغيبة، والنميمة، والكسل، والخمول عن الطاعة وقراءة القرآن والذكر المختلف، وإطالة المكث على وسائل التواصل الاجتماعى المختلفة، وكذا البخل والشحّ،"أنفِق يُنفق عليك".

ولنستشعر عظمة وأهمية شهرنا المبارك، ولنفرح ونُسرّ به، ولنشمر ساعد الجد والهمة والتسابق والتنافس فيه لربنا سبحانه، مصداقا لقول الحسن البصري:" إنّ الله تعالى قد جعل رمضان مضمارًا لخلقه، يَسْتَبِقُونَ فيه بطاعته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا فالعجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه المسارعون، وخابَ فيه الباطلون، فالله الله عباد الله اجتهدوا أن تكونوا من السابقين، ولا تكونوا من الخائبين، في شهر شرَّفَهُ ربّ العالمين"، وقول الإمام ابن الجوزي في بستان الواعظين بيانا لمنزلة رمضان بين الأشهر: " مثل الشهور الاثني عشر، كمثل أولاد يعقوب، وكما أنّ يوسف أحب أولاد يعقوب إليه، كذلك رمضان أحب الشهور إلى الله، وكما غفر لهم بدعوة واحدة منهم وهو يوسف كذلك يغفر الله ذنوب أحد عشر شهرا ببركة رمضان"، ولا يفوتنى أن أذكّر بصالح الدعاء والمغفرة لأحبائنا الذين سبقونا الى الله وغيّبهم الموت، وأصبحوا في قبورهم يسترجون دعوة مخلصة وغفرانا من أحبابهم، ولنهب ثواب ما نقوم به من أعمال صالحة وتقرب وطاعة لله لهم بالمثل.

ختاما.. الله أسأل أنيبلغنا رمضان أعواما عديدة، وأزمنة مديدة، ويجعلنا فيه من عباده الصالحين، الفائزين، المقبولين، الرابحين،السائرين فيه على صراطك، وسبيل نبيه الحبيب القدوة، وصحابته الكرام، وسلفنا الصالح، وأن يجنبنا شياطين الإنس، وكل ما من شأنه جعلنا "ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا" ، وكل عام انتم بخير قرائى الأحباب، ومصرنا الحبيبة بمسلميها ومسيحييها، وكل المسلمين في بقاع الأرض، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وصوما مقبولا، وإفطارا شهيا.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط