الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الحكاية فيها إنّ.. قصة المثل الشعبي الذي أنقذ صاحبه من الموت

صدى البلد

"الحكاية فيها إنّ"، مثل شعبي يتردد على أفواه جموع المصريين منذ القدم، يعبرون به عن الريبة والشك تجاه موقف أو شخص ما، حاضرًا في قاموس الأمثال الشعبية التي يجهل كثيرون أصله، إلا أنه ومنذ قرون مضت، كانت تلك المقولة سببًا في إنقاذ أحدهم من الموت، تلاعب باللغة العربية وفنونها أمكنت بطل القصة من حبك خطة لم يتمكن أحد من كشفها.

يعود أصل الحكاية إلى ذكاء ودهاء الكاتب الخاص بحاكم حلب محمود بن صالح بن مرداس، وحنكته باللغة العربية الفصحى التي جعلته يخطط ببراعة، وبجملة واحدة تمكن من منع وقوع ضحية جديدة للحاكم الذي استمع إلى حديث حاشيته حتى أوقعوه بينه وأحد أصدقائه.


علي بن المنقذ، أحد أعيان الحاكم الذي كانت تربطه علاقة صداقة قوية مع حاكم حلب، ولكن لم يرغب كثيرون بهذه الصداقة، فقاموا بتأليب الحاكم على "ابن المنقذ"، وخلق فتنة بينهما وأجواء من الكراهية، فحولوا علاقة الصداقة الطيبة بينهما إلى عداء متبادل، جعل "ابن المنقذ" يهرب فارًا من حلب خوفًا من بطش الحاكم به.

وفي أحد الأيام، أرسل حاكم حلب إلى الكاتب الخاص به وطلب منه أن يكتب رسالة إلى علي بن المنقذ يخبره فيها بالعفو والسماح، وأنه في انتظار مقابلته إلا أن الكاتب أحس بالخديعة، وأن الحكم يبيت النية لابن المنقذ فما كان من الكاتب إلا أن كتب رسالة عادية واختتمها بكلمة "إن شاء الله تعالى"، ووضع علامة التشديد على النون بدلًا من السكون.

لم يكن علي بن المنقذ أقل ذكاءا من الكاتب الذي بعث له رسالة مشفرة، ففهم ابن المنقذ معناها، لذي كان يقصده الكاتب وهو قول الله تعالى "إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ" ففهم المؤامرة التي ينويها حاكم حلب.

قام علي بن المنقذ بكتابة الرد على الرسالة والذي كان يحوي معنى خاصًا لن يفهمه إلا كاتب الحاكم وكان محتوى الرسالة بالغ الشكر والإحساس بالعرفان بالجميل لحاكم حلب على ثقته الشديدة به، ويطمئنه على قدومه إلى حلب في وقت لاحق إلا أنه ختم رسالته بنفس الحيلة في الرسالة السابقة، وكتب فيها "إن الخادم المقر بالإنعام " بتشديد النون أيضًا.

قرأ كاتب الحاكم الرد على الرسالة، وقرأه على الحاكم الذي اطمأن من ابن المنقذ الذي أعرب عن ولائه وطاعته للملك، ولكن الكاتب اطمأن صدره لما قرأ الرد، فعرف أن ابن المنقذ فهم مغزى الرسالة الحقيقي والذي كان يختفي بين كلماته، فقد كان يقصد علي بن المنذر بقوله "إنّ الخادم المقر بالإنعام" قول الله تعالى "إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا".