الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

طائر الوطن الحزين!


أسمع عن أى اسم مصرى - رجلا كان أو امرأة - يتلألأ نجمه فى سماء الخارج، وسرعان ما يخفق القلب وتسرى فى الجسد قشعريرة خاصة هى خليط من مشاعر الفخر والاعتزاز .. والحزن أيضا!.

وفى صفحات الماضى سجل التاريخ أعلاما من مصر حفروا أسماءهم بحروف من ذهب بعد قصص نجاح وتفوق، فلا أحد ينسى علماءنا وأطباءنا وعقولنا الأدبية والعلمية عندما اقتحموا الصعاب والتحديات فى المهجر واتخذوا من فلسفة العمل والإنتاج طريقا لعبور المستقبل وتكوين صورة ذهنية مثالية ومُشرِّفة عن الإنسان المصرى .. وبقدر ما حصدوا أوسمة التكريم وتبوءوا أعلى المناصب، بقدر ما تعمق إيمانهم بوطنهم الأول وتعاظم انتماؤهم لأرض مصر التى أنجبتهم ويحلمون وهم فى قمة المجد وبؤرة الضوء برد الجميل وخدمة الأُم الكبرى بعد سنوات الصبر والشقاء والغربة عن ترابها!.

وآخر ما سمعت وقرأت كان عن "مينوش" .. أو نعمت شفيق .. سليلة أسرة مصرية ذات أصول وجذور هاجرت من مصر فى الستينات بعد تأميم ممتلكاتها، ولكن الأب بدأ حياته من الصفر وزرع فى أولاده بذرة العلم والتربية والتعليم، فاستطاعت الفتاة "نعمت" أن ترويها فى جامعات بريطانيا وأمريكا منذ الطفولة واستمر النمو فى بيئة صحية ومُناخ عادل إلى أن حصلت على الماجستير والدكتوراة فى تخصص الاقتصاد الاقتصاد وإدارة الأعمال، وتدرجت فى الوظائف الجامعية حتى تم ترقيتها إلى رئيسة كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية كأول سيدة تتولى هذا المنصب فى تاريخ الجامعة. 

وحصلت على الجنسيتين البريطانية والأمريكية .. فهل اكتفت؟! .. أبدا .. فمن يملك "كنز" الطموح المتجدد لايعرف الكسل أو التواكل، فانتقلت إلى الحياة العملية بكل أمواجها العنيفة وتقلبات ظروف العالم السياسية والاقتصادية، وصارت بكفاءتها ومواهبها الإدارية أصغر نائب لرئيس البنك الدولى ولم يتجاوز عمرها ٣٦ عاما، ثم التحقت بصندوق النقد الدولى واعترفت مديرة الصندوق كريستين لاجارد بإخلاص ونزاهة "نعمت" إلى حد وصفها بأنها "قائدة رائعة". 

ومع تراكم التجارب وثقل وزن سيرة "بنت النيل" الذاتية والمهنية، أصبحت أحد أبرز مهندسى التخطيط الاقتصاى فى العالم، ومن أنشط الأعضاء فى فريق علاج الأزمات المالية لكثير من دول أوروبا الشرقية وشمال أفريقيا والبلدان المتعثرة . 

ومع كل بصمة لها تحصل على التكريم المناسب والثقة الأكبر بإسناد مهام جديدة لها والاعتماد على عقلها المنظم فى إدارة الملفات المعقدة .. ومن منصب إلى منصب، ومسئولية لأخرى، تقف "نعمت" شامخة كامرأة مصرية ذات مواصفات عالمية!.

هذه المعلومات المختصرة عن قصة نعمت شفيق ليست وليدة اللحظة أو بالأمس القريب، وإنما تردد اسمها كثيرا منذ سنوات وعطاؤها سبق الحديث عنها فى عدة مناسبات ومحافل دولية فى مقدمتها حصولها على لقب "سيدة العام" فى بريطانيا بإمضاء الملة إليزابيث أسوة بالأمراء والنبلاء فضلا عن تصنيفها فى مجلة "فوربس" الأمريكية ضمن أقوى شخصيات العالم .. وكل هذا وذاك، وعيون أجهزتنا لاترى .. وآذان المسئولين لاتسمع .. وآلات الإعلام بكل قياداتها وعازفيها لا تتكلم. 

ومثل هذه الخبرات الاقتصادية العظيمة يستفيد منها الآخر ويقدرها ويحميها ليصنع منها قوته ويستمد من طاقتها بقاءه على القمة دون شريك أو منافس .. وإذا كنتُ مُخطئا وثمة من بادر باستقطاب عقولنا المهاجرة والتواصل معها لتعود إلى أرضها وتشارك فى عملية الإصلاح وخطط البناء المرسومة، فليصحح لى المعلومة ويقدم الدليل والبرهان على أن مصر قولا وفعلا لاتهجر أبناءها النوابغ، ولاتتجاهل انتصاراتهم التى تحققت فى واقع ومكان وآليات غير تلك التى نعيش ونكبر ونموت فى ظلها!.

أين "نعمت شفيق" وأمثالها من سفراء الشرف والعزة من "أجندة" النظام السياسى المؤمن بـ"قطار" التغيير والإنجاز السريع؟! .. وكيف لاتكون هذه النماذج حاضرة ويجرى استدعاؤها كجنود المعارك لتوظيف خبراتها وأفكارها بالورقة والقلم لتحقيق أهدافنا والتسابق مع الغرب المتقدم بمئات السنوات الضوئية؟!.. إننا نملك أدوات الإغراء من مال وبشر وتاريخ، وما القرار إلا إرادة وضمير فى الاختيار وخيال فى التفكير .. أم أن فى الأمر سرا وأشياء محظورة وراء عدم السماح للطيور المهاجرة الحزينة بالعودة إلى أوطانها "الأكثر حزنا"؟!.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط

-