الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لا تظلموا الجاموسة


كان خبرا ملفتا مثيرا للضحك والسخرية، ولكنه تحول لكوميديا سوداء تعبر عن مأساة كبرى تعيشها بلاد الرافدين التى حولها التدخل الإيراني من عراق الحضارة والتاريخ إلى عراك الطائفية والشقاق.

جاء تناول بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي العراقية لخبر مصرع طبيب إثر حادث تصادم مع جاموسة بمدينة سمراء ليعبر عن حجم الأزمة بل والمأساة التى يعانيها شعب العراق.

الخبر الذي يدخل ضمن قائمة الأخبار الخفيفة وفقا للتصنيفات الصحفية المتعارف عليها دوليا تحول فى العراق لجزء من الصراع المذهبي وألبسه البعض رداء الطائفية البغيض، لتتحول الجاموس من حيوان زراعي صديق للفلاح إلى قاتل يعتنق المذهب الشيعي، ويتحول الطبيب من مجرد ضحية لسوء إدارة المرور إلى قتيل يعتنق المذهب السنى، دون أن ندري ما علاقة السنة والشيعة بالحادث الطريف!

للأسف تحول كل شىء بالعراق إلى عراك، فى ظل سياسة المحاصصة الحزبية والمذهبية والعرقية التى اعتمدها نظام ما بعد صدام بصورة عمقت معاناة شعب العراق وجعلت من أرض الرافدين ساحة كبرى لصراع دول الجوار التى سعت لنشر الفرقة والمذهبية بين الأخوة بصورة لم تسلم منها الحيوانات حتى أصبحت الجاموسة شيعية.

يحتاج العراق الخروج من ذلك النفق المظلم، وعبور تلك المحنة التى طالت سنواتها العجاف، فمن يصدق أن العراق الذي يتصدر قائمة مصدر النفط تعاني معظم محافظاتهم من انقطاع للكهرباء والمياه، من يصدق أنّ نسبة الفقر في محافظات جنوبي العراق بلغت 31.5 في المائة، وفي محافظات الوسط 17 في المائة، وفي بغداد العاصمة 13 في المائة، فى حين بلغت نسبة الفقر في محافظة مثل الديوانية لمستويات قياسية بعد بلوغها 60%.

كما ارتفعتّ نسب الفقر في المدن التي احتلها تنظيم "داعش" لتصل إلى 41 في المائة، بعدما لم تكن قبل ذلك تتجاوز 20 في المائة وفقا لبيانات وزارة التخطيط العراقية.

لا يعاني العراق فقرا فى الموارد أو الثروات بل يعاني خرابا فى الذمم وفسادا فى القيادات، أزمة العراق أن بعض قياداته ربطت نفسها بدولة مثل إيران أكثر من ارتباطها بالعراق نفسه، ففي الوقت الذى يحاصر العالم إيران وتفرض أمريكا عقوبات على من يتعامل مع دولة الملالي نجد وزير خارجية بغداد يعلن أن بلاده ستقوم بدور الوساطة بين إيران وأمريكا، مؤكدًا رفضه التصرفات الأميركية أحادية الجانب!

يحتاج قادة العراق وأحزابه وشعبه لثورة على المذهبية، وانقلاب على فكر الطائفية، وبتر كل قوانين العنصرية، يحتاج العراق لدستور جديد لا يفرق بين سنى وشيعي أو ايزيدى ومسيحي، يحتاج العراق لقوانين التعايش والتسامح ليستعيد أمجاده ووحدة شعبه.

لو كان قادة بغداد مخلصين فى حب وطنهم، فعليهم دراسة تجربة إقليم كردستان تحت قيادة السيد نيجرفان برزاني، الرئيس المرتقب الإقليم، والذى نجح فى قيادة حكومة الإقليم لسنوات، صنع خلالها نهضة اقتصادية جعلت من كردستان نقطة ضوء مميزة وسط فساد العراق المظلم.

تحول إقليم كردستان خلال سنوات حكم نيجرفان بارزاني إلى ساحة للتعايش وأرض للمواطنة، فلا يوجد فرق بين كردى أو عربي، أيزيدى أو مسيحي، مسلم سني أو شيعي، كلهم مواطنون سواسية أمام القانون.

يحتاج العراق إلى سيادة القانون العراقي والبعد عن ولاية الفقيه التى لم تجلب لأرض الرافدين سوى كل شر، يحتاج العراقيون للتعلم من دبلوماسية نيجرفان بارزاني الذى نجح فى صياغة سياسة دبلوماسية مستقلة لكردستان بصورة أصبح معها الإقليم سيد قراره لا يتلقي تعليماته من طهران أو واشنطن، ما جعل من أربيل قبلة لساسة دول العالم ودبلوماسيها لتوقيع اتفاقيات التعاون المشترك بصورة انعكست على وضع الإقليم على جميع المستويات.

ختاما، تبقى الجاموسة بريئة من تهمة المذهبية، فلا تظلموها وحاكموا عقولكم التى أتلفتها المذهبية وسياستكم التى دمرتها الميول الإيرانية، ارتقوا عن توجهاتكم ومذهبكم واصنعوا للعراق نظام وقانون يليق ببغداد وتاريخها، وإن أردتم النجاح فتعلموا من كردستان فنون الحكمة والسياسة ولكن لا تظلموا الجاموسة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط