الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

قمة "مكة" رسائل لـ "قمّ" و "اسطنبول"


جاء الاجتماع المنعقد في مكة لقادة دول منظمة التعاون الاسلامي في هذه المرحلة الحساسة وغياب أبرز ممن كانوا يصفون نفسهم بمن يقود العالم الاسلامي لتحرير القدس وفلسطين، وكان الاجتماع جوابًا وردًا قاسيًا لكل من يرتدون عباءة الدين لخداع الشعوب. 

هذه القمة التي غاب عنها والذي كان متوقعًا قبل انعقادها قادة ايران وتركيا وقطر، الذين ارسلوا مندوبين عنهم لحضورها، تجنبًا لكم الانتقادات التي سيلاقونها من المجتمعين.

هذا التحالف المشؤوم منذ عدة سنوات كان السبب الرئيس في نشر الخراب والدمار والقتل والتهجير في المنطقة. وتدخلهم في دول المنطقة كان العامل المهم لتقويض أي مسعى لحل القضايا و الأزمات التي تعانيها تلك الدول.
فمن العراق وسوريا واليمن ولبنان لم تتوانَ ايران في دعم الميليشيات التابعة لها في تنفيذ أجنداتها القومية الدينية الشيعية الهوى، والهدف هو جعل هذه الدول منطقة نفوذ لها في الفوضى التي نعيشها.

وكذلك تركيا لم تتوقف وتراقب ما تقوم به ايران وخاصة أنها أي ايران تعبر العدو التاريخي لتركيا منذ معركة "جالديران"، والذي كان بداية الصراع الصفوي العثماني وبمعنى آخر التنافس السني – الشيعي لهاتين الدولتين المارقتين. حيث بدأت تركيا في التدخل في العراق وسوريا وليبيا ومصر والسودان وحتى ارسال عناصر من جيشها إلى قطر تحت حجة حمايتها من أي هجمات افتراضية غير موجودة إلا في مخيلات هذا التحالف الثلاثي، وكذلك فعلت ايران في قطر.

الملفت للنظر أن ايران وتركيا هما الدولتان الوحيدتان تقريبا ممن يستثمر الدين في خدمة أجنداتهما حتى أكثر من الدول المعنية بهذا الدين مباشرة. حيث المتتبع لتاريخ هاتين الدولتين يرى وبكل وضوح أنهما شكليًا وقولًا ممن يمتشق السيف والرمح للحفاظ على الدين الاسلامي ويعملان بنفس الوقت على نشره، تحت ذريعة أن كل من يخالفهما هو كافر وينبغي قتله. كل ذلك يتم تحت غطاء الدين الاسلامي بشقي السني و الشيعي. أما جوهريًا، فحدث ولا حرج. حيث تعمل هاتين الدولتين على صون قوميتهما ونشرها في المنطقة. حيث ايران تعمل على "فرسنة" المنطقة وتشييعها، وكذلك تركيا تعمل على "عثمنة" المنطقة وتتريكها.

فلا ايران يهمها من الدين شيئًا سوى أجنداتها وأطماعها ومصالحها وفرض نفوذها في المنطقة، وكل ذلك يتم تحت شعار واحد لا غير وهو "تحرير القدس". ونفس الأمر ينطبق على تركيا التي تبحث عن أجنداتها على حساب تدمير البلاد وقتل وتهجير العباد وأيضا تحت شعار "تحرير القدس". وكلاهما لا يهمهما تحرير القدس لا من قريب ولا من بعيد. سوى أنهما جعلا من "القدس"، حصانًا يمتطونه وقت الحاجة وتنفيذ الاجندات والأطماع.

تاريخيًا إن بحثنا، نرى وبكل وضوح أن الفارسيين هم من حرر اليهود من السبي البابلي وخيروهم في العيش في ربوع بلاد فارس أو العودة إلى الأراضي المقدسة لإعادة بناء "الهيكل". وفي نهايات الاحتلال العثماني للمنطقة حاول السلطان عبد الحميد ومن بعده على تشجيع اليهود على الهجرة إلى الأراضي المقدسة وتقديم المال لهم لشرائها والضغط على أهلها لترك أراضيهم. يعني أن التاريخ يخبرنا أن هاتين الدولتين ليس لهما علاقة البتة بتحرير القدس، بقدر ما يشغلهما بسط نفوذهما على الشعوب والمجتمعات ونهب خيراتها.

مآل المقال: أن قمة "مكة" كانت تحمل في طياتها الكثير من الرسائل لكثير من الأطراف وأهمهما هما تركيا وايران. وإن كان الواضح من البيان الختامي هو ايران وتنبيهها على سلوكها غير الجيد حيَّال دول المنطقة ومساعدتها بعض المرتزقة لزعزعة استقرار الدول واستفزازها بعد ذلك، وأيضًا تحذير ايران من الاستمرار بهذه الأفعال وتذكيرها باتباع سبل حسن الجوار وغير من الرسائل. هي نفسها الرسائل التي يمكن توجيهها لتركيا التي لا تقل عنجهية واستكبار على كل من يقف في وجهها.

بنفس الوقت عقد هذه القمة في مكة لها مدلولها التاريخي ورسالة مهمة جدًا لهاتين الدولتين وهي أنه لا يمكن لأية مدينة أخرى أن تحل محل "مكة المكرمة". فلا ايران التي جعلت من مدينة "قمّ" وجهة كل المتشيعين ولا مدينة "استنبول" التي يعتبرها أردوغان تركيا وجعل منها وجهة كل المتعثمنين الجدد، والتي بشر الرسول "ص" فاتحهها بـ (الجنة)، بمقدورهما أن تكونا مكة.

فالمدن المقدسة تاريخيًا ستبقى هي نفسها التي تلهم شعوب المنطقة أمل الانتصار على الدجالين. بدءً من أورفا مدينة جدّ الانبياء ومرورًا بالقدس وسيناء ومكة. وغير ذلك لا يعتبر إلا تحصيل حاصل ومحاربة طواحين الهواء كما دونكيشوتات العصر في مدينتي "قمّ" و "اسطنبول".
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط