الإفتاء تصحح خطأ شائعا في فهم حديث استفت قلبك

قالت دار الإفتاء المصرية، إن البعض يفسر خطأ حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- «استفت قلبك»، مؤكدة أن الرواية صحيحة لكن تفسيرها لدى لبعض يكون خطأ.
واستشهدت الإفتاء بنص الحديث الذي رواه الإمام أحمد في "مسنده" عن وابصة بن معبد الأسدي رضي الله عنه أنه قال: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ لَا أَدَعَ شَيْئًا مِنَ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ إِلَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ، وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَسْتَفْتُونَهُ، فَجَعَلْتُ أَتَخَطَّاهُمْ، فَقَالُوا: إِلَيْكَ يَا وَابِصَةُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فُقُلْتُ: دَعُونِي فَأَدْنُوَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ أَنْ أَدْنُوَ مِنْهُ، قَالَ: «دَعُوا وَابِصَةَ، ادْنُ يَا وَابِصَةُ» مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، قَالَ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: «يَا وَابِصَةُ أُخْبِرُكَ أَمْ تَسْأَلُنِي»؟ قُلْتُ: لَا، بَلْ أَخْبِرْنِي، فَقَالَ: «جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ» فَقَالَ: نَعَمْ، فَجَمَعَ أَنَامِلَهُ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِنَّ فِي صَدْرِي، وَيَقُولُ: «يَا وَابِصَةُ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، «الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ». وقد حَسَّن الإمام النووي إسناده في "الأربعين".
وأوضحت الإفتاء، أنه ليس معنى الحديث أن يكون مدار معرفة الأحكام الشرعية وتمييز الصحيح فيها على مجرد التذوق النفساني والشعور القلبي؛ فللعلماء مسلكان في توجيه الحديث؛ فمنهم من جعله خاصًّا بوابصة رضي الله عنه؛ لأجل معنًى معين قام به، وعليه: فإن الحكم لا يتعداه لغيره؛ ويكون الحديث حينئذٍ في واقعة عين لا عموم لها؛ قال حجة الإسلام الإمام الغزالي في "إحياء علوم الدين" (2/ 117، ط. دار المعرفة): «لم يَرُدَّ عليه السلام كل أحد إلى فتوى القلب، وإنما قال ذلك لوابصة؛ لما كان قد عرف من حاله».
وتابعت: ومنهم من جعله في المؤمن الذي تحقق بنور الإيمان وترقى في مراتب التقى والعرفان إذا واجه أمرًا يشتبه في حِلِّه أو جوازه، ولم يجد فيه قولًا لأحد إلا ممن لا يوثق بعلمه أو دينه؛ قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في "جامع العلوم والحكم" (2/ 103، ط. مؤسسة الرسالة): [وأما ما ليس فيه نص من الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولا عمن يقتدى بقوله من الصحابة وسلف الأمة، فإذا وقع في نفس المؤمن المطمئن قلبه بالإيمان، المنشرح صدره بنور المعرفة واليقين منه شيء، وحاك في صدره لشبهة موجودة، ولم يجد من يفتي فيه بالرخصة إلا من يخبر عن رأيه وهو ممن لا يوثق بعلمه وبدينه، بل هو معروف باتباع الهوى، فهنا يرجع المؤمن إلى ما حاك في صدره، وإن أفتاه هؤلاء المُفْتُون].
وواصل: وقال الملا علي القاري الحنفي في "مرقاة المفاتيح" (5/ 1901، ط. دار الفكر): «وقيل: المعني بهذا الأمر أرباب البصائر من أهل النظر والفكر المستقيمة، وأصحاب الفراسات من ذوي النفوس المرتاضة والقلوب السليمة؛ فإن نفوسهم بالطبع تصبو إلى الخير وتنبو عن الشر؛ فإن الشيء ينجذب إلى ما يلائمه وينفر عما يخالفه، ويكون ملهمة للصواب في أكثر الأحوال. قال التوربشتي رحمه الله: وهذا القول وإن كان غير مستبعد، فإن القول بحمله على العموم فيمن يجمعهم كلمة التقوى وتحيط بهم دائرة الدين أحق وأهدى».