الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أسرار الحضارة الأوروبية


بدأت الحضارة الغربية بثورة ثقافية فى فلورنسا كانت أصول هذه الثقافة رومانية لاتينية ، اتخذت من الموروث الفلسفى اللاتينى منهجا ومن الفكر الإمبريالى الرومانى مبدأً واعتبرته المحرك الأساسي للتقدم، ثم إعتمدوا علميا على أبحاث العرب وكشوفاتهم العلمية ،خاصة فى الطب و الرياضة الفيزيقية والفلك وتفانوا فى طرد الأساطير والخرافات المكبلة لعقولهم لكنهم أبقوها معزولة لديهم كالفيروسات للتصدير لاحقا إلى العالم الذى سيسعون للسيطرة عليه كما علمهم فيلسوف الشر ميكيافيللى ؛ مبدأ نشر الخرافات كأحد أداوت اختراق الأمم والسيطرة عليها.

فى مطلع القرن الرابع عشر وتحديدا فى فلورنسابدأت الثورة الثقافية الأوروبية ( عصر النهضة) ، مراجعة الموروثات القديمة واعتبارها سببا مباشرًا لواقعهم السىء ، وتلك كانت أهم خطوة فى طريق نهضة أوربا الجديدة ، فى القرن الخامس عشر كانوا قد توصلوا لنظام الطباعة ( (mono typing و توسعوا فى صناعة الورق ، ما ساعد على انتشار فكر الفلاسفة والمثقفين وأصحاب الرؤى التقدمية فى الفن و العلم والإجتماع والعمارة ، لذلك تطور العقل الأوروبي تدريجياواتجه ناحية العلم والوجود والإثبات والشك المنهجى و حاربوا السلطة المطلقة للملوك والأُمراء والنبلاء ورجال الدين بإعتبارهم سلطات مكبلة للعقول ، ثم انتقلت الثورة الثقافية إلى كل ربوعأوروبا بعد أن تخلت تدريجيا عن إرث ثقيل من الجهل والخرافة لكنهم لم يتنازلوا أبدا عن مبدأ الهيمنة والعنصرية والنزعة الفردية حتى وصلوا إلى حدود الثورة الصناعية فى القرن السابع عشر، فتحاروبوا وحاربوا العالم وقسموه إلى مستعمرات من منطلق إيمانهم العميق بالهيمنة التى ورثوها عن أجدادهم من الرومان و بما وصلوا إليه من علم حديث وما أتىلهم به هذا العلم من الأدوات والماكينات والأسلحةالتى أخترعوها فظلوا فى منافسة داميةأدخلتهم فى نفق الحروب الكبرى و بعد أن فقدوا كل شىء تعلموا أن يتخلصوا من الصراع فيما بينهم وقرروا أن الصراع يجب أن يكون خارج حدود الثقافة الغربية فأضافوا إلى أسرار حضارتهم ، فكرة الربط بين المصالح المشتركة لأصحاب الثقافة الغربية و العبور الثقافى الإقليمي بين الأعراق الواندالية والقوطية و الجالية و الجرمانية والأنجلوساكسونية والإسكندنافيهمن حاملى الثقافة والدم الغربى فقط ، وهو ما يعد تنازلًا جزئيًا عن العنصرية أو تنازلًا مشروطًا بتنازل أو بمعنى أخر أنهم قد يقبلون الأخر أو حتى غير الأوروبي إذا تنازل عن ثقافته الأصلية وعن أفكاره وانتماءاته ، وآمن بما يؤمنون .. وهكذا يمكن أن نرسم أعمدة الحضارة الغربيةالخمسة وأركان عقيدتهم : ( القوة - المنافسة - العلم - الإتحاد- السيطرة ) وهى مبادىء متفق عليها فيما بينهم تحولت إلى عقيدة يتوارثونها بصورة أو بأخرى ولا مجال لمناقشتها اليوم أو غدا بعد أن حققوا بها تفوقهم على كل الثقافات الأخرى ،لكن هناك دائما مجالًا لإستحداث وسائل لتجميل قبح هذه الثقافة التى لا تعتمد الأخلاق كأحد أعمدتها الرئيسة و إن كان للأخلاق مكان هناك فما فهى إلا ذريعة يستخدمونها وقت الحاجة و فى أماكن بعينها وضد شعوب وحكومات محددة ، فالقوة لديهم صماءمجردة سواء كانت خشنة أو ناعمة فما هى إلا مال وسلاح ورجال وإعلام، وروحالمنافسة :سر تفوق ونتائج المنافسة معيار وإن لم تتوفر لهم الأسباب يتصادمون اكلينيكيا فى معمل الذرائع للتدخل فى شئون الثقافات الأخرى ، و العلم :ليس فضيلة إلا إذا كان سرا لايُفشي و أداة مهمة للتفوق وحيوية ولازمة للسيطرة لذلك يجب الإنفاق عليها ببذخ و على الأبحاث والإكتشافات والتجديد المستمر والإبتكار ما يجعل ميزتهم النسبية التنافسية فى عقولهم ،و الإتحاد: للشر أو للخير سيان لكنه يجب أن يبقى بأى حال فهوجزء من القوة لا يتأتى إلابإزالة الحدود السياسية والجمركية وتوحيد العملة وإذابة الفروق الثقافية و توحيد المنظومات الإدارية والتشريعية والسياسية كما فى الإتحاد الفيدرالى الأمريكى والأتحاد الاوربى والإتحاد السوفييى والإتحاد اليوغوسلافى وحلف الناتو وحلف وارسو ..

أما الهيمنة والسيطرة فتأتى من خلال عدم السماح بنمو قوة غير غربية سواء كان نموا أقتصاديا أو عسكريا أو حتى ثقافيا ، من خلال الحروب المباشرة مع من يبلغ النصاب كما حدث مع مصر و العراق فى فترات ، أو نشر الثورات و الحروب الأهلية فيما عرفوه حديثا بأنه الجيل الرابع بهدف إعادة العقارب إلى الوراء ومنع الشعوب الأخرى من التفرغ للسباق الحضارى أو المشاركة فيه ذلك لأنهم يرون أن مضمار الركض الحضارى لا يتسع للجميع وأنهم أصحاب الحق الحصري فيه ، وأنتقسيم الأمم لكيانات ضعيفة متناحرة أفضل من مساعدتها على النهوض وأن الفائدة التى تعود من إبقاء الأخر ضعيفا خير من دعمه ليصبح قويا ذات يوم ،وأن فرض الغربنة هنا و هناك خير مما سواها من الحضارات ، لذلك ستجد أن كل حروب الغرب فى الشرق هى فى الأساس مشاريع تركز على إضعاف العملية التعليمية و إعاقة التنمية البشرية، بنفس الكيفية التى يحظرون بها إمتلاك هذه البلاد للأسلحة الإستراتيجية، مع خطط لا تتوقف لضرب الميزات النسبية التنافسية التى ميز الله بها كل أمة أو على الأقل السيطرة عليها ، مثل أبار الطاقة ( غاز –بترول) والموقع المميز و الموارد الطبيعية .

وإذا تحدثنا عن أى حضارة عاشت فى أى مدى زمنى ، سنعرف أن لكل واحدة سر بقاء ولكل واحدة أسباب فناء، فهل يمكن أن أنهى مقالى بسؤال عن سر أزمة الحضارة العربية ؟ ومن الذى هدم أسس تلك الحضارة الكبرى التى تأسست على أعمدة ( العلم - العمل- الأخلاق) والتى امتدت من أواخر القرن السابع الميلادى و بقت حتى القرن الثالث عشر ؟ ومن الذى يريد أن يطمسها طمسًا؟ ومن الذى يعلم علم اليقين أنها الحضارة الوحيدة القابلة للعودة والقادرة على منافسة الغرب والنصر عليه؟

الغرب يعلمون الإجابة الموجعة ويفهمون أن العرب إذا استطاعوا ترميم أعمدتهم ستكون بداية النهاية لحضارة الغرب المزعومة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط