الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

على قوائم الانتظار


الحياة الدنيا تشبه لحد كبير محطة القطار الكبيرة التي يتجمع فيها الناس من مختلف الأماكن بأشكال ولغات مختلفة، كل منهم ينتظر موعد القطار الخاص به، منهم من يعرف وجهته وغايته، وآخرون مشتتون بين لافتات القطارات المختلفة لا يعلم كل منهم متي يركب قطاره وإلي أين وجهته.

وتمر الساعات والأيام ولا نزال في محطة القطار نراقب من يركب قطاره ويعرف وجهته ، ومن يتوه مع التائهين، ويأتي القطار مسرعًا أحيانًا فيأخذ بعض البشر من تلك المحطة إلي محطة أخري وأحيانًا أخري يتأخر قطار البعض فتلحظ نظرة الترقب في أعينهم وتلمح ألم الانتظار .

البعض يحيا علي قائمة الانتظار ينتظر تغيير حياته ربما، وربما ينتظر الفرج مِن هَمِ أصابه أو مرض أذله وربما ينتظر قطار الرحيل ليترك تلك الحياة ويرحل من الدنيا إلي عالم الآخرة . كلنا مسافرون ولكن لكل منا حياته المختلفة قد تتشابه مع البعض وقد تختلف مع آخرين.

علي قوائم الانتظار تجد المكلوم علي فقيد لديه رحل قبله وتركه ينتظر وحده قطار الرحيل، وتجد أيضا من يلهو في هذه الحياة الدنيا ويحيا حياة الملوك في سعادة ورغد، حيث لا هم ولا غم لديه سوي البحث واللهث وراء المال والسلطة ليحصل علي المزيد من ملذات الحياة ولا يفكر في أحد ولا يحمل هم الآخرين.

على رصيف محطة القطار تجد المهندم الأنيق وتجد من يرسم الفقر ملامحه ويظهر عليه الشقاء والحاجة، منهم من يحاول إخفاء فقره ويتعفف ومنهم من يستغل ملامح الشقاء للتوسل و طلب المساعدة فتتحول ملامح الشقاء إلي منفذ رزق واسع وثراء، فتجد نفسك تائهًا بين فعله وملامحه ويفقدك الثقة في المتعففين، فتخاف أن تكون تلك الملامح مزيفة ، لاستغلالك لكسب المال دون عناء.

أصعب حالات الانتظار أن تجد نفسك في محطة القطار تنتظر أن يتبدل حالك الذي لطالما دعوت أن يتغير ويظل ثابتًا بينما تجد حركة القطارات مسرعة من حولك تبدل أحوال البشر ، وأنت ما زلت كما أنت مُجَمَّد حتي تتحجر مشاعرك وينفذ منك الصبر ، وتتأرجح بين الرضا والسخط علي حالك ، وتظل في حالة تشتت ، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا.

حتى من يصبر تأتي عليه لحظات من اليأس وعدم القدرة علي التحمل ، فالصبر طاقة تحتاج للتغذية المستمرة حتي تستمر، فإذا نفذت يفقد الإنسان البصيرة ويتوه بين الإيمان وعدم التقبل ويحتاج إلي المساندة ، لو دامت المحن للأبد دون تجديد الصبر لتحولت القلوب إلي السواد .

من أشهر القصص التي تروي حياة الصابرين قصة داوود عليه السلام، الذي وجد نفسه فجأة يفقد كل شيء ويسجنه المرض ، فصَبر وتَحَمّل حتي فقد القدرة علي الصبر فدعا المولي عز وجل ليغير حاله ويرفع عنه البلاء، (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ ) .

حين ينفذ منك الصبر وأنت علي قوائم الانتظار تذكر الدعاء بصدق وبثقة في المولي عز وجل فقد يغير القدر ويرفع البلاء ويبدل الحال.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط