الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الشغف والدهشة وخلو البال



فى الحقيقة لم أجد إنسانًا يفضل حاضره مهما كان جميلًا، على شبابه وطفولته مهما كانت تعسة شقية، الكل يتمنى أن يستعيد ولو لحظة من تلك اللحظات التى مرت عليه وهو صغير ، ولا أستثنى من ذلك أحدا، كلنا قد ينسى أحداث  يومه وأمسه القريب ، لكنه يذكر بكل الحنين تفاصيل التفاصيل لأحداث وقعت فى شبابه وفى أيام طفولته،و مهما كانت تلك الأحداث ، إلا أنها تظل محفورة فى الوجدان بخلفياتها و ألحانها و ألوانها و روائحها وطبولها و طيورها وأقواس قزحها حتى التجاعيد فى وجوه العجائز و كبار السن تلك التى كنا نسكنها بكل حميمية و نحن نستمع إلى رواياتهم والحواديت فنلمس بأنامل كفوفنا الصغيره خبراتهم التى كانوا يسكبونها لنا مجانا مع أقداح الشاى والفطائر المغموسة بالدفء.
من منا لايتذكر عصافير الحديقة أو الحقل وزقزقتها و الفراشات و الجارة الجميلة و ثوبها المزركش و اللعب والصياح تحت مصابيح الشوارع و صوت نجاة وعبد الحليم وفايزة أحمد و هو يداعب براعم قلوبنا الغضة و يدعوها إلى التفتح أمام شموس الحب.
عندما كنا صغارا كانت الحياة أجمل ليس لأننا كنا أنقياء أتقياء أو لأن الواقع فى شبابنا كان أفضل أو لأن نفوسنا كانت بريئة ، أو لأن آبائنا وأجدادنا كانو خير منا ،بل لأننا كنا فى حالة دهشة دائمة من أشياء بسيطة وكنا فى حالة شغف وتعلق بأشياء ممكنة ، وكانت التطلعات معقولة ولم يكن البال مشغولًا خائفًا من شىء قد يحدث أو متطلع لشىء لن يحدث ، ولم تكن السعادة رهينةعُملة معدنية على أحد وجوهها صورة الخوف و على الوجه الاخر صورة التطلع ، عندما كبرنا وتقدم بنا العمر أصبحنا نؤجل الإحساس بالسعادة فى انتظار ماقد لا يجىء ولو جاء نؤجلها مرة أُخرى خوفا مما نتحسب لوقوعه، حتى تساوى فى أفواهنا المالح و العذب ولم نعد قادرين على التفريق بين حلو المذاق ومُره، وهكذا فقدت الأشياء الطعم واللون و الرائحة وفقد النور بريقه و تشابهت الأيام والفصول وصارت فصل واحدُ ممل ، طالت فصول الملل فقل إقبالنا على الحياةفانعكس ذلك على وجوهنا التى تفننت فى التزين بمساحيق العبوس وملابسنا التى أصبحت وأمست مثل ستائر المستشفيات ، وواجهات منازلنا التى تشهد بأن القبح صار دين أهل سكان تلك المنازل ، و حتى عطلاتنا صارت أعطالا وصرنا نشبه من يهبط من حافلة العمل فنضع مثلث الضجر والتطلع وانشغال البال كعاكس لما نشعر به و كاننا نتفادى أن تصدمنا فرحة قادمة بسرعة، بعد أيام تنتهى العطلة ثم نطويهذا المثلث ونعود به من حيث أتينا دون ان نشعر بأى بهجة .
الحقيقة المزعجة هى أن العودة تلقائيا إلى مثلث الطفولة مستحيل ، فكيف لنا العودة للدهشة والشغف وخلو البال بعد كل تلك الخبرات التى مرت بنا؟ لكن هذا لا يعنى أن وسائل العودة منعدمة ، فهناك فى هذا العالم من يعرف كيف يبقى نفسه فى مثلث الشغف والدهشة و خلو البال على طول عمره ، وكيف يتفادى الوقوع فى مثلث الضجر والتطلع والهم المستمر .. فالرياضة و اللعب والمنافسة والسفر و الهواية بأنواعها والأعمال التطوعية والتواصل الإجتماعي فى مجملها أو مفردها قادرة على أن تخلق الدهشة و الشغف واذا ما أُضيف الإيمان الصادق والثقة بالله تحقق خلو البال .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما معناه أن الإنسان محسودُ فى إثنتين ، الصحة والفراغ .. والفراغ معناه خلو البال ..
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط