الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أورويل وأردوغان ومزرعة إدلب


ونحن ما زلنا نشاهد المسرحية التراجيدية في مدينة إدلب الواقعة في الشمال الغربي من سوريا، وبأن المدينة تحولت إلى حديث الساعة في العالم لما يصيبها من دمار وخراب وتهجير للسكان تحت أعين وحتى بتنسيق بين ضامني السلام الادلبي الذين اجتمعوا في استانة للمرة الثالثة عشر، وها هم الضامنين يمطرون المدينة بكل صنوف الموت والترهيب وعين أردوغان مغموسة في رمال المستنقع السوري لا يرى ولا يسمع ولا تصدر عنه سوى بعض التمتمات المنددة والشاجبة. 

ومن ناحية أخرى نرى ممن كانوا يسمون أنفسهم يومًا ما من أصحاب القضية الحقيقيين وبأنهم سيكونون سدًا منيعًا أمام أيا هجمات للنظام على المدنيين في هذه المنطقة. نرى هذه الفصائل التي تغير فيها كل شي من أهداف ووسائل وشعارات وحتى أشكالهم بأسمائهم تتغير حسب ما يريد خليفتهم أردوغان. تحولت الفصائل إلى مجرد أدوات بيد أردوغان تنفذ أجنداته ولو على حساب الشعب السوري الذي ثار من أجل الكرامة والحرية، إلا أن هذه الفصائل باعت ما تبقى من كرامة في سوق التجارة البشرية التي تتم في البازار السوري. 

لطالما يكون التاريخ هو المعلم الحقيقي للإنسان في توجيههم وتوعيتهم وهم يسيرون نحو المستقبل الذي ينشدونه. هذا لمن يقرأ التاريخ ويستوعب روح التاريخ ووجدانه،ولكن بالنسبة للذين لا يقرأون التاريخ سيكون حاضرهم وبالًا عليهم ومستقبلهم مجهولًا وسيكررون ما كانوا يعيشونه من ذل وإهانة وكأنها الحياة الجديدة التي كانوا ينشدونها ويرمون لتحقيقها بعد تضحيات كبيرة. 

الكاتب جورج أورويل الذي كتب رواية "مزرعة الحيوان" قبل ٧٤ عامًا تقريبا وأثناء الحرب العالمية الثانية، كتبها لأنه كان قد قرأ التاريخ جيدًا وكتبها لجيل المستقبل كي تكون لهم درسًا وعبرة لنا بعد كل هذه السنوات. إلا أن الطامة الكبرى هي أن الكثير ممن يدعون الثقافة وقرأوا الرواية لم يستوعبوها جيدًا حتى بعد كل السنين هذه. مزرعة الحيوان هي رواية توثيقية توصيفية للدوغمائية التي أصابت ثورات الشعوب في تلك الفترة ورفضت التجديد في قراءتها للواقع وراحت تتمسك أكثر بالماضي الذي تولى ولن يعود البتة.

هي نفس المرحلة التي نعيشها الان بكل تفاصيل تلك الرواية في مدينة إدلب السورية والتي حلولها أردوغان والسيد بوتين إلى مزرعة الحيوان كما فعلها ستالين وهتلر. ما أشبه أحداث هذه الرواية ونحن نعيشها بكل تفاصيلها الدقيقة وكأننا نعيش عام ١٩٤٥ والسيد أورويل ينظر إلينا ويكتب الرواية وهو يضحك على حالنا.

ولمن لم يقرأ هذه الرواية القيمة جيدا لا حرج عليه مطلقًا وليس عليه أن يكلف نفسه عناء البحث عنها في المكتبات أو النت، ليس عليه سوى متابعة ما يدور من أحداث دراماتيكية وتراجيدية على مسرح إدلب. حيث أن كل تفاصيل الرواية بشخوصها الرمزية وكذلك تفاصيلها. أبدع أورويل في سرد تفاصيل ثورة الحيوان على البشر الذين كان هدفهم تحقيق حياة أفضل وكرامة ورفض العبودية، إلا أن من قاد الثورة هم ذاتهم من باع رفاق دربهم وتحولوا إلى دكتاتوريين لا فرق بينهم وبين من كان يستعبدهم ويهينهم ويذلهم. 

هم نفسهم الشخصيات المدعية للثورة والكرامة والذين باعوا نفسهم لأردوغان الذي هو نفس شخصية "فردرك" في الرواية الذي يقدم لهم المال المزيف لسرقة الثورة. وما زال قادة الفصائل يقدمون واجب الطاعة والعبودية لأردوغان بالرغم من كل ما فعله بهم. لأن للتاريخ مسيرته الخاصة التي لا ترحم من لا يستوعبها جيدًا. 

تهويل إردوغان من خطر الكرد وكأنهم من سيقضون مضجعه ويهزون عرشه الذي يبنيه من عشرات السنين، والتي فيها نوعًا ما من الحقيقة. لأن الكرد هم أصحاب الأرض الحقيقيين الذين يمتلكون فلسفة جديدة في ثورتهم التي عمادها العيش المشترك وأخوة الشعوب التي تي أساس بناء المجتمع الأخلاقي والكل يعيش مع الكل، بعكس ما يريده إردوغان في تحويل المنطقة الفوضى والتي يكون فيها الكل يقتل الكل. 

شتان ما بين الفلسفتين والتي ستكونان على صراع حتى تنتصر فلسفة الأمة الديمقراطية على فلسفة الأمة القوموية والدولتية الفاشية. أردوغان الذي يعيد تمثيل رواية "مزرعة الحيوان" بكل تفاصيلها، يعمل الكرد من جانب آخر على كتابة رواية "الأمة الديمقراطية" في المنطقة من جديد بيد كل شعوبها بمختلف أطيافها ومكوناتها.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط