الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

براءة ريا وسكينة



ريا وسكينة علي همام، امرأتان جاءتا من صعيد مصر واستقرتا في حي اللبان بالإسكندرية، ليعملان في نفس مهنتهما غير الأخلاقية التي عملا بها في طنطا قبل انتقالهما إلى الإسكندرية. وهناك بدأت القصة في آواخر عام 1919م، حيث طافت الشائعات آنذاك الإسكندرية بأن هناك عصابة تخطف النساء. وتتوالى الأحداث لنجد أنفسنا أمام زفة كبيرة حول بيت شعبي بجوار قسم اللبان عام 1921، حيث تهافتت الجموع لتشهد إلقاء القبض على ريا وأختها سكينة وعبد العال وحسب الله.

أخيرًا ارتاحت الإسكندرية من عصابة خطف النساء، وأحيل المتهمون إلى الجنايات في القضية رقم 43 لسنة 1921م قسم اللبان. ولعل ما أكد رواية ريا وسكينة في الذهنية الشعبية عثور شاب يدعي أحمد موسى على بقايا عظمية أسفل الغرفة التي استأجرها لاحقًا في بيت ريا وسكينة، ليتم الحفر بعد ذلك ويُعثر على عدد من هياكل عظمية، أشيع أنها لنساء مختطفات.

وقد احتوت سجلات التحقيق على روايات غير مشفوعة بأدلة دامغة، عدا شهادة بديعة ابنة ريا القاصر ضدهم، ليأخذ بها القاضي آنذاك ويحكم عليهم بالإعدام.

ليس هناك مواطن عربي لم ير فيلم ريا وسكينة للمبدعين نجمة إبراهيم ورياض القصبجي وغيرهما، والضابط إبراهيم حمدي الذي قبض عليهما وجسده فنيًا أنور وجدى. وتستمر السينما المصرية فيقدم سمعة فيلمًا كوميديًا بعنوان إسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة، ثم يأتي يونس شلبي ويقدم فيلمًا تجاريًا بعنوان ريا وسكينة. وأخيرًا يأتي العمل الأشهر ليزيد ريا وسكينة شهرة في الوطن العربي من خلال مسرحية كوميدية تحمل اسمهما، بطولة الفنانين المبدعين شادية وسهير البابلي وعبد المنعم مدبولي وأحمد بدير. وبقدر ما قهقهنا، بقدر ما تألمنا من المأساة التي حلت بالضحايا، الذين نجهل حقيقتهم.
ونتساءل: أليس من الممكن أن تكون قضية ريا وسكينة ملفقة؟ ألم يقف أحدنا عند تاريخ الواقعة ويربط بينها وبين ثورة 1919م ضد الإنجليز؟ أليس من الممكن أن تكون المعلومات التي جُمعت حول ريا وسكينة جاءت لتصب في مصلحة الإنجليز، ليصرفوا بها السكندريين عن الثورة التي سرت في عروقهم في ظل ألحان الشيخ سيد درويش المؤججة للثورة؟
أليس من الوارد أن تكون ريا وسكينة وحسب الله وعبد العال أبرياء، وهنا يستحقون رد الاعتبار؟ أسوة بما حدث مع مواطن أمريكي زنجي أعدم ظلمًا في قضية قتل، وبعد أربعين عامًا اعترف القاتل الحقيقي، ففتحت القضية ثانية وبرأت المحكمة المواطن الذي أعدم ظلمًا بل وأمرت بصرف تعويض لأسرته. ولماذا قتل الضابط أحمد عبدالله الذي تولى القضية قبل اليوزباشي إبراهيم حمدي؟ أمن المحتمل أن الإنجليز خافوا من تحولهم إلى رموز وطنية، فقاموا بفبركة قصص رعب وقتل نسبت إليهم؟
لقد كشف راديو هيئة الإذاعة البريطانية–بعد مائة عام-عن أن هناك احتمالية أن تكون القضية قد لفقت بما يخدم مصالح البريطانيين في مصر، لاسيما وأن العظام التي عثروا عليها كانت لجنود إنجليز، رغم أنهم عثروا على جثث نساء أيضًا، حسبما سُجل في مضبطة التحقيق، وهو ما يثير لغزًا حول القضية.
أعتقد أن هيئة الإذاعة البريطانية لم تتحدث من فراغ، ويتبقى لنا أن نعيد فتح أوراق القضية لتبرئة ريا وسكينة، وتحويلهما إلى بطلتين مصريتين قاومتا الاحتلال تزامنًا مع ثورة 1919، أو توكيد أنهم قتلة لا يستحقون أي شفقة ونكذب زعم الإذاعة البريطانية.
وأجد نفسي بخبرتي المحدودة أربط بين الحياة البائسة التي عاشتها ريا وسكينة من فقر، وجهل، وحاجة إلى المال، وانغماسهما في الملذات المحرمة، بل انعدام الإدارك لديهما بالحلال والحرام، ووفاة أولادهما في حياتهما وما جلبته عليهما من قسوة القلب، وبين جلبهما للنساء ليمارسن الرذيلة في بيتهما مع من يردن مقابل جزء لهن من الأجر؛ وهو ما يشير إلى مضاجعتهن لجنود انجليز هناك، يتم التخلص منهم بعد قضاء حاجتهم وتجريدهم من المال وهم في حالة سُكْرٍ بفعل "السُكولانس"، مثلما قتلن ممارسات الرذيلة لديهن لأنهن حجبن عنهن حقيقة المال الذي حصلن عليه من الزبائن. وهذا ما يفسر وجود جثث لنساء بجوار جثث لجنود إنجليز.

أزعم أن تقرير الإذاعة البريطانية يخلو من الحقيقة.




المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط