الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

برنارد لويس بين خارطة التقسيم وخرائط الوعي


يرتكز مشروع برنارد لويس ١٩٩٣ (أستاذ دراسات “الشرق الأوسط” في جامعة برينستون) على تقسيم المنطقة إلى عدة خرئط، قد يحسبها الرائي صماء لكنها قد حملت بين خطوطها الكثيفه صرخات اللاجئين و المهجرين و الثكالي و نظرات زائغه لأطفال إبتلع قلوبهم شبح الخوف و الحرمان و التهجير.

واقتسمتنا خريطة لويس إلى عروق وخطوط أثنيه وطائفية ولغوية، هذا فضلا عن غرسه لأعواد ثقاب سريعة الاشتعال، مدروسه بعناية، لإستسراع عجلة التقسيم، لينتهي الأمر بنشوب رياح خوفٍ عاتيه لعاصفة كبرى عربية – إيرانية، و هو ما نشهد سمومه الآن علي ارض الواقع.

و في عام ٢٠٠٦ طالعنا رالف بيترز الخبير العسكري الاستراتيجي الأمريكي بمصطلح (Blood Borders) و الذي تجلي في مقالة بعنوان حدود الدم: كيف سيبدو “الشرق الأوسط” بحالته الأفضل؟، والتي نشرت في العدد السادس من المجلة العسكرية الأمريكية (Armed Forces Journal) . حيث تم تداول مصطلح “الشرق الأوسط الكبير” و الفوضي الخلاقه لأول مره في المناطق ذات المصالح الاستراتيجيه الامريكيه، و ذلك في إطار إصلاحي تقدمي علاجي و كأنها عمليه جراحيه علي الخارطة الإنسانية العربية والإسلامية، لِتُقطلَع الجذور، وتتبعثر حسابات التاريخ، و تُقذف بالحضارات الراسخه منذ قديم الأزل بعيدًا في سله التاريخ.
فهي خريطه خطتها دماء الأبرياء و شهد عليها التاريخ في أعقاب ٢٠١١ ولازالت خارطة بيترز للحدود الدامية تقاطرها دماء العرب .

ثم توالت الأحداث و الأعوام لنشهد خرائط اخرى لمراكز الفكر الاستراتيجي أو ما يطلق عليه خزانات الفكر و مستودعاته ، ليُقَزّم الشرق الاوسط إلى حزمه من التوقعات والإرهاصات لتقسيم الأرض و العرق و كأننا أمام مسرح كرنفالي للطائفية و المذهبية و التطرف. و كأن الخارطة العربية فى أعينهم قطعه محكمة من السجاد الإيراني تم غزلها بدقه و بحرفية تحمل بين أضلعها تابلوهات متجاورة و غير متطابقة من الخيوط رغم أنها نُسِجَت من مَعين واحد. 

إن المشهد اليومي لأحاديث الصباح و المساء حول مدفئه منصات التواصل الاجتماعي يجعلنا ندرك جميعا أننا أمام مسرح صاخب لصور ذهنيه متعاقبه تسري أمامنا لتخط واقعًا للأحداث يستوي فيه الجميع. و كأن خرائط لويس و أتباعه تمضى قدمًا بنا لترسم ملامح أيامنا بخرائط نفسية عميقة الآثر و دوائر عرض و خطوط طول غير متطابقه لتتنازعنا مشاعر الخوف و العجز و الأمل و عشق الارض و اللجوء لله ثم صفحات الطبخ و الموضه والنيولوك ثم تقاسيم الجسد المنحوت، هذا فضلًا عن مقاطع فيديو عابثة لأشرار لا يريدون الخير لمصر واخرى لأخيار يذوبون خوفا على الوطن، ثم تجترحنا وتفطر قلوبنا تلك الدماء الطاهرة على ثوب البقعة المقدسة سيناء، لنستفيق مره اخرى على دعوات للتظاهر لمن يخوضون في عرض الوطن ثم نعود لنسقط بعيدا لنصطدم بنرجسية صور السلفي للصبيان التواصل. إنه لعصر كرنفالي صاخب قد سلبنا الأمان وراحه الروح بدايةً من الصباح وصولًا لغرف النوم لتعتركنا الأحداث حتى على شُرّعات الوسادات.

فالمشهد الذهني الفردي يشوبه قراءة عشوائيه للمشهد السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي. مشاهد متفرقه تحمل في مجملها همًا راكزا على القلوب، همًا مجهول الهوية، وثقافة للعجز داكنة تعشش في قلوبنا لا نستطيع الإفصاح عنها.

وفي نهاية المشهد نجد قلوبنا و قد ابتلعتها موجات الخوف من الغد، أجسادنا و قد استُنزفت أعصاب أعصابها بثقافة غامرة من الفتات وكأننا وريقات مبعثرة ليس لها ركوز في دوائر لا متناهيه من اللاشيء. 

ومع كل إطلاله تضخها إلينا موجات التواصل الاجتماعي نزداد تبعثرًا وفقا لملامح أكثر عمقا من التقاسيم الظاهرة علي خرائط برنارد لويس لننتقل إلى خرائط للوعي قد اقتسمتنا اجتماعيًا و سياسيًا وإقتصاديًا وتعليميًا و طبقيا بل و بيولوجيًا ايضًا و فقا لخطوط الجسد و طبقات الزمن و ترهلات السمنه في مشهد فوضوي غير خلّاق.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط