الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بالنمسا .. نسبة الأمية صفر!


لا يمكن أن تنهض أمة من الأمم إلا إذا أخذت بأسباب النهوض، تلك الأسباب التي تدور جميعها في فلك الإنسان المؤهل للقيام بالعمل بإتقان وحرفية، ذلك الذي لا يمكن أن يحدث إلا إذا كان هذا الإنسان مؤهلا تأهيلا مناسبا، هذا الذي يتناقض تناقضا تاما مع الجهل والأمية، التي لا تليق بحال بشعب بعراقة الشعب المصري الذي مازال يحاول المرة تلو الأخرى أن يخرج من تلك الحالة التي لا تليق به.

ذكر مرة أستاذنا الدكتور عبد الصبور شاهين، في تسعينيات القرن الماضي، في إحدى محاضراته، التي كان لي شرف حضورها، في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة ، عن عصرٍنا الذي خطتْ فيه أممٌ خطواتٍ واسعةً في ركب الحضارة، أن لحاقنا بقطار تلك الأمم لا يمكن أن يتم إلا إذا وُضِعَ في طريق هذا القطار " قشرة موز! " فأسقطته، ليظلَّ هكذا إلا أن نلحق به، في تشبيه تمثيلي لحالة مستحيل حدوثها، في إشارة لذلك الفارق الشاسع بيننا وبين ذلك العالم المتطور.

ولا شك لدينا، أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يدرك مدى الصعوبات التي تواجه الأمة المصرية، وهذا ما يعلن عنه في الكثير من أحاديثه، والعديد من كلماته، في شتى المناسبات، ولكنه على عكس ما ذكره أستاذنا الدكتور شاهين يؤمن أن مصر بفضل أبنائها وقدراتهم تستطيع أن تنهض وأن تلحق بركب تلك الأمم المتطورة.

ولا جدال أن الرئيس السيسي يعلم تلك المعوقات التي تقف في سبيل نهضة الأمة المصرية، والتي على رأسها ندرة المال " العامل الاقتصادي" اللازم لإقامة تلك المشروعات القومية التي من شأنها أن تضع مصر في مكانتها الطبيعية، ثم الإنسان "العامل البشري " المؤهَّل " تأهيلا مناسبا لتقام على أكتافه وبِمَا على أكتافه تلك النهضة المُبْتَغاة.

ولا يمكن أن يتم تأهيل العامل البشري إلا من خلال منظومة التعليم، تلك المنظومة التي تعمل على صناعة! إنسان لديه القدرة على العمل في مجاله بِحِرَفِيَّةٍ وإتقان، وهذا ما لا يتوفر في منظومة التعليم الحالية في مصر، ومن ثم لا نحصل على ذلك المُنْتَج التعليمي الذي يمكن أن يُعْتَمَد عليه، فضلًا عن أن هناك نسبة كبيرة من الشعب المصري تندرج تحت وصف أُمِّيِّين، وهو أمر لا يليق بأمة عريقة، علَّمت العالم، وكان لها فضل السبق في كافة مجالات الحياة.

لا يمكن – كما قلت – أن تقام حضارة أو تنهض أمة إلا من خلال برامج تعليمية وُضِعَتْ تناسب العصر والحال، تقوم على تنفيذها أيادٍ فَتِيَّة وعقول متفتحة، لأبناء الأمة المؤهلين، ولا شك أن هذا التأهيل لا يتناسب مع الأمية التي يعاني منها مجتمع الأمة المصرية، والتي هي غير متواجدة البتة في الدول المتقدمة، والتي لو أخذنا النمسا ، بحكم الإقامة والخبرة، والتي ركبت قطار الحضارة السريع، نموذجا، لوجدنا فيها الأمية هي والعدم سواء بسواء.

فكل النمساويين البالغين يعرفون القراءة والكتابة، لأن دخول الأطفال ـ من سن السادسة إلى الخامسة عشرة في المدارس ـ أمر إجباري، لا يمكن بحال من الأحوال أن يتهرب أو يتسرب أي طفل منه ولذلك أسباب موضوعية، على رأسها المتابعة الحقيقية من قِبَل الدولة، والالتزام الصارم من قِبَل الأسرة.
إن الأغلبية العظمى من التلاميذ بالنمسا يدخلون المدارس الحكومية المجانية، وبعضهم يدخل المدارس الخاصة، والحد الأدنى في البرنامج الدراسي هو أن يقضي التلميذ ثماني سنوات في المدارس الأولية، وسنةً في المدارس المهنية أو الفنية على الأقل، إن لم يتخذ قرارا بتكملة التعليم، وعليه ساعتها، إن أراد اكتساب مهنة أن يلتحق بمدرسة أخرى يتقن من خلالها تلك المهنة إتقانا يستطيع من خلاله الصمود في سوق العمل، التي لا تقبل إلا الماهر المتقن، وتطرد غير ذلك.

والتعليم الإلزامي بالنمسا، من الناحية القانونية، قريب لما هو معمول به في مصر التي أقرت قانون التعليم الإجباري للأطفال ما بين سن 6 إلى 12 عام سنة 1953، والذي لم يطبق، عكس النمسا، كما ينبغي، فتبنت مصر سياسة مكافحة الأمية! عام 1976، وقد استطاع البرنامج محو أمية 4.5 مليون شخص.

وبالرغم من تناقص نسبة الأمية بين السكان، فإن أعداد الأميين في مصر في ازدياد، وذلك ناتج من معدلات النمو السكاني الكبيرة في مصر، تلك الزيادة التي تقضي على كل فرص النمو؛ فبحسب التقارير الرسمية فإن عدد المصريين الذين كانوا يجهلون القراءة والكتابة، في عام 1976 كان 14 مليون مواطن، ووصل إلى 17 مليون أمي عام 2006، وهذا يؤكد أن هناك من لم يلتزم بسنوات التعليم الإلزامي بمصر، وأن هناك من تسرب منه، أو – وهنا تكون المصيبة أعظم – أن هناك من قضى في التعليم تلك السنوات الإلزامية، ولم يُصِبْ فيها شيئًا ولذا ظل أميًّا.

ويظل أيضا هناك فارق آخر كبير بين الحرفيِّين والفنيين والتقنيين، في دولة سَنَّت، مثلنا، قوانين، ووضعت منظومة، أصرت على تطبيقها، وحرص شعبها على الالتزام بها فركبت قطار الحضارة السريع، وأمة مازالت تحاول اللحاق به، وهو ما لن يَتَأتَّى إلا بالأخذ بنفس الأسلوب، ذلك الفارق هو إتقان المهارة التي تُبْنَى عليها الحضارات وتتقدم بها الأمم، والتي لا يمكن أن يأتي بها شعب لم يستطع أن يُكْسِب كل أبنائه القراءة والكتابة، التي هي سبيل المعرفة كما قال عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط