الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أحببت جثة


وقف أبي أمام قبر جدي متأملا تلمع عيناه بالدموع رغم مرور ما يقرب من العشرين عاما على وفاته، لسانه وقلبه يرددان الدعاء بالرحمة له، ثم نظر إليّ أنا وأخي قائلا ادعوا لجدكما، فما من نعمة تعيشان فيها إلا وكان سببا فيها.

الحق يقال إن هذا الحب الذي يحمله أبي لجدي لم يكن وليد الصدفة ولم يظهر بعد وفاته فقط، بل طيلة الفترة التي عشت فيها في حياة جدي ما قصر أبي معه، ولم يتردد في إظهار الحب له، والكل شهد بذلك، هنا شعرت كم كنت أحب جدي رحمه الله، لكن أين هو الآن كي أعبر له عن هذا الحب الذي حملته له، تذكرت أنني لم أقل له يوما إنني أحبك، والآن هو مجرد جثة!!

لم أتعجب كثيرا من موقفي تجاه جدي وهذا حال كل المصريين، فالغالبية العظمى منا لا يدرك قيمة الشخص الذي فقده إلا بعد أن يفقده، يعيش بيننا طيلة عمره ينتظر مجرد كلمة يعرف بها قدره لدينا فلا يجدـ والله أعلم إذا كان يشعر بالحب الدفين في أعماق قلوبنا تجاهه أم لا، حتى ولو لم يشعر فلا لوم عليه في ذلك، فكلنا يأخذ بالظاهر لا بالمشاعر الدفينة.

هنا اسمحوا لي أن أستعير مصطلحا قرأته لأحد الأشخاص على صفحات التواصل الاجتماعي حين قال: "المصريين عندهم إعاقة في المشاعر"، وللحق هو أصدق تعبير قرأته فيما يخص هذه الحالة، لماذا لا نحب شخصا إلا بعد وفاته، كيف لنا نتركه يعيش بيننا على أمل أن يعرف قدره عندنا ونتركه هكذا، والله لو علم المنتحر قدره عند من يحب ما انتحر!!

ولنا في المشاهير أمثلة كثيرة سأذكر منها اثنين، أولهما الفنان الراحل هيثم أحمد زكي الذي وافته المنية منذ شهر تقريبا، والذي رأيناه جميعا يشكو الوحدة، في أحد لقاءاته التليفزيونية، وبالفعل لم نر له أصدقاء كثيرين كباقي الفنانين الذين يجتمعون حول بعضهم على الأقل عبر صفحات التواصل الاجتماعي، ولكن بعد وفاته بلحظات فاضت مشاعر جميع المصريين بذلك الحب الدفين الذي تحدثت عنه، أين كان هذا الحب في حياته؟! لماذا تركتموه يموت وحيدا؟! لما تركتموه يعاني طيلة حياته من الوحدة، أنتم الآن تحبون جثة.

أما الثاني فهو الفنان شعبان عبد الرحيم الذي توفي أمس الأول، لكن الغريب هنا أننا رأينا الكثيرين يهاجمونه في حياته ويسبونه بأبشع الألفاظ متهمين إياه بالفاشل والجاهل، وبعد وفاته نفس الأشخاص الذين هاجموه، هم الذين قالوا فيه شعرا ومدحوه ووصفوه بالفنان الجميل والرجل الطيب، وهنا تتجلى إعاقة مشاعرنا في أزهى صورها، لماذا هذا التناقض في المشاعر!!

وأخيرا أتمنى أن تظهروا مشاعر الحب وأنتم على قيد الحياة، لا تتركوا الموت يفرق بينكم قبل أن يعرف كل منكم قدره عند الآخر... أعطني وردة واحدة وأنا على قيد الحياة خير من أن تضع باقة من الورد على قبري..
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط