الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وطني 2030.. الرؤية والتوقيت


"وطني 2030" هو عنوان أحد البرامج التدريبية التي تُنفذها وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، لبناء وتنمية القدرات البشرية العاملة في وحدات الجهاز الإداري للدولة، والذي يتم تنظيمه بالتعاون مع المعهد المصرفي المصري، ذراع التدريب الرسمي للبنك المركزي، بحيث يستهدف موظفي ديوان عام الوزارات للدرجات الوظيفية العليا والوسطى والإشرافية، من أجل صقل مهاراتهم، وتزويدهم بأبرز المعارف، واكسابهم أنماط السلوك الإيجابية، وتأهيلهم للتعامل مع أدوات التحول الرقمي.

لـ "وطني 2030" ما يُميزه عن بقية البرامج التدريبية الحكومية الأخرى، حيثُ يعتمد على فلسفة جديدة غير معهودة في التدريب الحكومي، فبينما كان الدارج سابقًا أن تقوم كل جهة بتنظيم البرنامج التدريبي الذي تراه مُناسبًا للعاملين بها، ليشمل أبناء الجهة وحدهم، فإن "وطني 2030" يقوم على فكرة حشد عدد كبير من العاملين بالجهاز الإداري من مُختلف الوزارات والهيئات في مكان واحد، بمعزلٍ عن بيئة العمل الخاصة بكل منهم، لمدة أسبوع كامل، لتلقي مادة علمية واحدة، وتدريب مشترك، على النحو الذي يسهم في إيجاد أرضية مشتركة بين العاملين بالجهاز الإداري للدولة، تستند على محاور استراتيجية التنمية المستدامة "رؤية مصر ٢٠٣٠" باعتبارها الإطار الحاكم لكل الخطط والبرامج التي ستُنفذها الحكومة، وحدها أو بالشراكة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني، على مدار العقد القادم.

هذا الحشد الكبير من موظفي الحكومة، من الدرجات الوظيفية العُليا والمتوسطة والإشرافية، يتم استقبالهم لتهيئتهم لنظام البرنامج وتوعيتهم بأهدافه، ثم تقسيمهم إلى مجموعات، بحيث لا يتجاوز العدد في كل مجموعة عن 30 فردًا، من جهات رسمية مختلفة، ومستويات وظيفية متباينة، لتشكل كل مجموعة صورة مصغرة من الجهاز الإداري للدولة، ولعل تلك الفلسفة تخلقُ مناخًا مُتميزًا من تبادُل الخبرات والمهارات بين المُتدربين بمُختلف تجاربهم الوظيفية والحياتية، فضلًا عن ربطهم بعلاقات ودية على مدار الأسبوع التدريبي، تخدم هدف التنسيق بينهم فيما بعد لتذليل العقبات وتيسير المهام.

أتيحت لي فرصة الاقتراب أكثر من برنامج "وطني 2030" والتعرف على محاوره المتنوعة والمُركزة، ولعل ما أثار اعجابي هو تحفيز المتدربين على تنمية الذات وتطوير مهاراتهم باستمرار، لمواكبة التغيرات التي تفرضها الثورة التكنولوجية ذات الإيقاع المتسارع، فالتوقف في هذه المرحلة يعني أن تتخلف عن الآخرين، وربما أن تفقد وظيفتك، فالعديد من الوظائف انتهت فعليًا بظهور أدوات أحدث، مثل مصور الطائرة الهليكوبتر، وساعي البريد، والصراف، وحتى الصحفي التقليدي مهدد بالانقراض مع تهديد انتهاء الصحف الورقية، كما سلط البرنامج التدريبي الضوء على جوانب هامة تضمنُ للموظف الحُكومي تحقيق عنصري الكفاءة والفاعلية في العمل، من أهمها إدارة الوقت، والمهارات الرقمية، إلى جانب التأكيد على أهمية تحقق التوازن الحياتي من خلال عدم إغفال منح وقت كافٍ للعائلة والأصدقاء والهوايات والترفيه.

برنامج "وطني 2030" يساهم باعتقادي في ربط الموظف الحكومي باثنين من الثوابت الهامة: الأولى هي وطنه، والثانية هي استراتيجية التنمية المستدامة "رؤية مصر 2030"، ليكون على وعي تام بالأهداف التي تسعى الدولة لتحقيقها، والاستراتيجيات التي تتبعها للتوصل إلى هذه الأهداف، فضلًا عن إدراك الفرص التي يمتلكها الوطن، والتحديات التي نسعى لتذليلها، فالمُوظف هو ترس ضمن منظومة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية حتى وان تصور أنه بمنأى عن ذلك، فالموظف بالوحدة المحلية بإحدى مراكز محافظة سوهاج مثلًا، وزميله بديوان عام وزارة التنمية المحلية بالعاصمة، كلاهما له دور في تنفيذ الاستراتيجية مع اختلاف الأدوار، كما أن الموظف في الوقت ذاته هو "مواطن" يتأثر بضغوط ونتائج تطبيق الاستراتيجية، فالموظف الحكومي في واقع الأمر مُؤثر ومُتأثر، وفي كلا الحالتين يملك حق المعرفة والوعي.

ولعل عنصر التوقيت يبدو فارقًا، فبرنامج "وطني 2030" يتزامنُ وترتيبات انتقال الحكومة إلى العاصمة الإدارية الجديدة العام المقبل ٢٠٢٠، ليؤكد أنه إلى جانب أعمال الإنشاءات بالحي الحكومي، وخطط تأثيث المباني، وسيناريوهات انتقال العاملين يوميًا، أو طرح وحدات سكنية لهم، فإن الدولة تنظر إلى "الإنسان" كهدف رئيسي للتنمية، ولعل هذا التوجه المحمود يستدعي استمرار الاهتمام بالتدريب والنهوض بالعنصر البشري، ومضاعفة موازنة التدريب لدى الجهات الحكومية، ليكون الانتقال إلى العاصمة الجديدة، خطوة نحو التحول الرقمي، والحوكمة، ليتحقق تأكيد الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والمتابعة والاصلاح الإداري بأن "الحكومة مش بتعزل".
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط