الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

علي جمعة: تفسير داعش لحديث «جئتكم بالذبح» يعكس انحلالهم الفكري

الدكتور علي جمعة
الدكتور علي جمعة

تفسر الجماعات المتطرفة حديث لقد جئتكم بالذبح تفسيرًا خاطئًا، زاعمين أن الأمر بالذبح في هذا الحديث لكل من يخالفنا في العقيدة، ولكن الصحيح أن معناه على المجاز، فالنبى -صلى الله عليه وسلم- أراد المجاز بالذبح بمعنى الهلاك، وكأننا نقول: «إذا تولى الرجل القضاء فقد ذبح بغير سكين»، وهنا المعنى فى قول النبى صلى الله عليه وسلم-: «إنكم آذا آذيتمونى وعصيتمونى فلكم الهلاك من الله».

ردًّا على الشبهة المثارة بأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء لذبح الناس، قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، إن تحريف تنظيم داعش الإرهابي لحديث «جئتكم بالذبح» يعكس انحلالهم الفكري.

وأضاف «جمعة»، خلال لقائه ببرنامج «من مصر» المذاع على فضائية «cbc»، أن تنظيم داعش استشهد بذبح الناس، بقول الرسول –صلى الله عليه وسلم- «يا معشر قريش جئتكم بالذبح»، والتي كان يقصد منها أن عدم تصديقهم له وللدين الإسلامي بمثابة انتحار لهم، وهذا يعكس الانحلال الفكري لديهم، فالرسول –صلى الله عليه وسلم- لم يأذ حتى حشرة في مكة.

معنى لقد جئتكم بالذبح 
كشف الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إحدى أكاذيب الجماعات المتطرفة، التي تفسرون حديث لقد جئتكم بالذبح تفسيرًا خاطئًا.

ونوه «جمعة»، أن كلمة «لقد جئتكم بالذبح» هي تركيب من تراكيب اللغة العربية، وإن النابتة والمتطرفين لم يتعلموا "التراكيب اللغوية"، التي يدرسها الشيوخ في الأزهر الشريف.

وأشار إلى أن المتطرفين فهموا "جئتكم بالذبح" على أن المقصود ذبح كذبح البهائم، ولم يعرفوا لها معاني أخرى، وأنهم أصبحوا يذبحون البشر أمام الجمهور إعمالًا بتفسيرهم لهذا الحديث.

وفسر مفتي الجمهورية السابق حديث لقد جئتكم بالذبح، قائلًا: «الرسول بقصد جئتكم بشيء مهم للغاية، وهو الدين، وقضية التوحيد، وقضية العدل بين الناس، وقضية الرحمة، لا أن يذبح أحدًا، والدليل أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يقتل هذه القتلة البشعة".

وأوضح أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما تحدث عن الذبح أمرنا بإحسان القتل والذبح، كما روي عنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ»، وقال أيضًا: "إذا أردت أن تذبح، فأرِح ذبيحتك»، وأنه أمرنا بسن السكين بعيدًا عن عينه، وأعطى الكثير من حقوق الحيوان، ولكن الإرهابيين يخرجون الحديث من سياقه وتفسيره السليم.

وعن المقولة التي يبرر بها الإرهابيون قتلهم وذبحهم للبشر، أشار عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إلى أن الرسول قال: «جئتكم بالسيف»، والمقصود أنه جاء بشيء مهم، ولم يرفع سيفه أو يقتل، بل إنه قصد أنه أتى بشيء مهم، آمرا أنصاره بألا يعبثوا فيه.

ونبه الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، على أن هذا حديث لقد جئتكم بالذبح وارد بلفظ «تَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ» لم يخرجه البخاري ولا مسلم بهذا اللفظ، بل أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وليس سنده بالقوي كما قال الحافظ ابن حجر وغيره، وهو سند لا يمكن الاستدلال به منفصلًا في قضية خطيرة هكذه".

وواصل: «وعلى فرض الأخذ بصحة حديث لقد جئتكم بالذبح، فيجب فهم سياق الحديث والظروف المحيطة به، التي يُفهم منها أنها كانت على سبيل التهديد والتخويف، وهذه الظروف المحيطة يصورها لنا سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص فيقول عن قريش: "قَدْ حَضَرْتُهُمْ وَقَدِ اجْتَمَعَ أَشْرَافُهُمْ يَوْمًا فِي الْحِجْرِ فَذَكَرُوا فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ صَبْرِنَا مِنْ أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ قَطُّ؛ سَفَّهَ أَحْلَامَنَا، وَشَتَمَ آبَاءَنَا، وَعَابَ دِينَنَا، وَفَرَّقَ جَمَاعَتَنَا، لَقَدْ صَبرْنَا مِنْهُ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ يَمْشِي حَتَّى اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَلَمَّا أَنْ مَرَّ بِهِمْ غَمَزُوهُ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا مَرَّ بِهِمُ الثَّانِيَةَ غَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، فَمَرَّ بِهِمُ الثَّالِثَةَ فَغَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا، ثُمَّ قَالَ: «تَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ». 

وأكمل: "وفى رواية أخرى قال سيدنا عبد الله بن عمرو: "بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي حِجْرِ الكَعْبَةِ، إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ، فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا".

وأشار «المفتي» إلى أن لفظ "الذبح" الوارد في حديث لقد جئتكم بالذبح يمكن أن يستعمل على سبيل المجاز في التهديد والهلاك والتزكية، كما يستعمل أيضًا في التحوُّل كما في قول سيدنا أبي الدرداء "ذَبحُ الْخَمْر: الْمِلْحُ وَالشَّمْس"؛ أي أن الخمر عندما تتعرض للشمس والملح تتحول وتطهر وتُزال خواصها فتصبح حلالًا كما أحل الذبح الذبيحة.

وردَّ على من تساءل بأن الأصل هو استعمال الألفاظ على معناها الحقيقي وهو الذبح بقطع الأوداج كما ورد في حديث لقد جئتكم بالذبح، قائلاً: «إن مسيرة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام من بعده لا تدل على أنهم أرادوا الحقيقة، بل وُجد من القرائن ما يصرف هذا الشيء عن حقيقته، ومنها أن الذبح له موطن واحد فقط، ولا يكون إلا بما يؤكل وهو ذبح الحيوان، أما ذبح الإنسان فهو يُعد من المُثلة المنهي عنها حتى في ميدان الحرب الذي يُعد ميدان شفاء الصدور».

ونبه على أنه حتى في حالة القصاص الشرعي فإنه يتم بأيسر وسيلة، ولا يقصد منه تعذيب الإنسان عند خروج روحه، وكذلك في الحيوانات نجد أن النصوص الشرعية تشير إلى استعمال الرحمة كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ؛ لِيُحِدَّ شَفْرَتَهُ ثُمَّ لِيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ».

ولفت إلى عدة مواقف كانت الفرصة فيها سانحة لاستخدام القتل والذبح، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعل شيئًا من ذلك، كما في صلح الحديبية وفي فتح مكة، فقد حقن رسول الله صلى الله عليه الدماء في الحالين، بل كان هذا مسلكه صلى الله عليه وسلم في كل موطن، وعندما قال أحد الصحابة: "الْيَوْم يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ"، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْيوم يومُ المرحمة».