الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أنوار الحسين


على مدار أسبوعين، اﺤﺘﻔﻞ ﺍﻟﻤﺼﺮﻳﻮﻥ ﺑﻤﻮﻟﺪ ﺍﻟﺤﺴﻴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ "رضي الله عنهما"، وهي في الحقيقة ليست ذكرى ميلاده الشريف بل هي ذكرى وصول رأسه الشريف من عسقلان إلى مصر، حيث يعتبرها المصريون مولدًا واحتفالًا.

وليس هو الاحتفال الوحيد بالإمام الحسين، حيث يحتفل المصريون بمولده مرتين، الثانية وهي ذكرى يوم ميلاده الشريف في 3 من شهر شعبان عام 4 للهجرة في المدينة المنورة.

ﻭﻳﻔﺪ ﺯﻭﺍﺭ ﺳﺒﻂ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﻭﺃﺣﺒﺎﺅﻩ من كل أرجاء المحروسة ﺍﻟﻘﺎﻫﺮﺓ ﻟﻠﺘﺒﺭﻙ بمولد سيد شباب الجنة، ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﻤﻞ ﻣﻜﺎﻧﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺏ ﺍﻟﻤﺼﺮﻳﻴن المحبين لآل البيت يعانقون بأرواحهم السماء، مادحين الإمام فى وصلة حب لا تنتهى، وظاهرة دينية تحمل الطابع الفلكلوري، وهو ما أكده عالم الاجتماع الدكتور فاروق أحمد مصطفى في دراسة التأثيرات السيكولوجية لفكرة المولد على الفرد والمشاركة الجماهيرية في الاحتفال التي أسقطت الحاجز بين الإبداع والتلقي، حيث حول الضمير الشعبي والعقل الجمعي للمصريين الموالد من مجرد احتفالية دينية إلى صيغة طقسية دنيوية ودينية، تندمج فيها ذات الفرد مع ذات الجماعة وتتحقق فيها حالة من الهروب من الروتين اليومي والتواصل النفسي والإحساس بالترابط والتآلف.

فعادة الاحتفال بأولياء الله الصالحين عبقرية خاصة ومورث شعبي شديد الخصوصية لدى المصريين دون غيرهم من الشعوب، ويطلق عليها في الثقافة الشعبية المصرية اسم الموالد والتي لا تقتصر على ديانة واحدة فتذوب فيها كل الأديان، فالمسيحي يحرص على زيارة أولياء الله المسلمين تبركا والمسلم يزور القديسين حبا وكرامة، وأشهر تلك الموالد موالد ستنا العذراء والسيدة زينب والسيدة نفسية والإمام الحسين والسيد البدوي وإبراهيم الدسوقي ومارجرجس ومارمينا.

وعلى امتداد ربوع مصر تناثرت آلاف الأضرحة والمقامات على جغرافيا الواقع المصري، فلا توجد قرية مصرية إلا وبها مقام أوأكثر لأولياء الله الصالحين، ولا تخلو محافظة أو مدينة مصرية من مولد يجدد لغة الوصل بين البشر وموروثهم الروحي والديني.

مصر تأصلت بها الموالد الشعبية قبل الدولة الفاطمية التي تنسب إليها بوصفها امتدادا حضاريا مشابها في الطقوس للاحتفالات الدينية منذ عهد ملوك فراعنة الدولة المصرية القديمة، وكانت الاحتفالات الدينية تقترن بتقديم النذور والقرابين تمجيدا وتضرعا للآلهة صاحبة الخوارق والمعجزات، وهي تشبه إلى حد كبير الكرامات التي يتحدث عنها المحتفلون حاليا، ويتم ذلك في جو احتفالي مبهج يقدم فيها الطعام والشراب ومشاهد غنائية سجلتها جدران المعابد الفرعونية ثم مرورا بقديسي عصر الشهداء المسيحيين الأوائل بمصر الرومانية وصولا إلى تقليد موالد الأولياء الصالحين في مصر الإسلامية التي لايزال المريدون يرتحلون خلف تجلياته في طول البلاد وعرضها علهم يحظون بجانب من بركاتها.

وجذور ضاربة في عمق التربة الثقافية المصرية، وأصبحت تمثل جزءا من الثقافة الشعبية فالولي أو القديس ينظر إليه باعتباره حلقة وصل بين حياة وموت، فهو حي في الفكر الجمعي رغم رحيله يجسد عالما ماديا وروحيا لشخص تحول إلى رمز ديني يطلقون عليه صاحب كرامات تلك الكرامات التي يستمدون منها الأمل في الغلبة على العجز والمرض وجميع أشكال الصعاب.

وتشهد الموالد سقوط كل الحواجز الاجتماعية بين طبقات المجتمع المصري على اختلافها، فالأغنياء والفقراء على مائدة طعام واحدة على حد سواء يصطفون في حلقات ذكر متصلة لا فارق فيها بين هذا وذاك، فالجميع يذوبون عشقا في حب الله يرددون دعوات مشفعة بصاحب الكرامات، فالكثير من العامة يعتقدون أن هناك مسافة كبيرة تفصلهم عن الله سبحانه وتعالى ولابد من البحث عن شفيع يتوسلون به إلى الله لقضاء حوائجهم، ومظاهر ارتبطت في الأذهان بعادات ذات طقوس خاصة مع الوقت ذابت في نسيج المجتمع المصري، ووحدت بين عنصري الأمة مسلمين ومسيحيين، فجمعت بين أولياء الله الصالحين والقديسين ورويدا رويدا تسللت إلى الموروث الشعبي في ثقافة الأمة وأصبحت جزءا من الهوية المصرية.

وسواء كان المولد مسيحيا أو إسلاميا، فهناك طقوس شبه ثابتة في الاحتفالات تتمثل في زيارة الضريح وعقد حلقات الذكر والإنشاد والابتهالات والترانيم والسير في مواكب كبيرة تحمل أعلام وبيارق، علاوة على تقديم النذور التي لاتقتصر على النقود، فقد تكون أطعمة أو ذبائح توزع على الفقراء وجمهور الحاضرين أو مفروشات وسجاجيد لصاحب المقام أو تكون في شكل شموع تقدم لتضاء.

كما ارتبطت الموالد بعقد الزواج والطهور والتعميد تبركا بالمناسبة، ومظاهر ترفيهية شعبية فتقام سرادقات كبيرة وينتشر باعة الحلوى ولعب الأطفال والأطعمة الشعبية والحلي والسبح والملابس، كما تنتشر الألعاب النارية والمراجيح وعروض العرائس في مزيج يجمع الطقس الديني بالترفيهي تغلفه سعادة وبهجة شكلت المزاج الشعبي الديني الذي يربط بين الروحانيات من جهة والاحتفالات، ومن جهة أخرى وحتى يومنا هذا لا يزال المصريون يتمسكون بمورثاتهم رغم شيطنة البعض لتلك الطقوس، فهم شعب محب للحياة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط