الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بين شيخ الأزهر ورئيس جامعة القاهرة


لعله من المناسب في البداية أن أعلن عن تقديري فوق الهائل لمولانا فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر، ولعله من المناسب أيضا أن أعلن أني أحد المدافعين عن الرجل بكل قوة وشراسة مقابل هذا الفريق الذي يريد النيل من الرجل لأسباب بعيدة كل البعد عن الدين؛ بل لأنهم يخدمون تيارا دينيا بعينه، ويسعون لاختطاف الدين، يجد في الرجل حجر عثرة في سبيل تحقيق مآربهم، ولعله من المناسب كذلك أن أعلن أني دخلت في معارك شرسة مع من ينالون من الرجل القيمة والقامة، وصلت لدرجة التهديد برفع قضايا على هؤلاء الذين يتطاولون على شخص الرمز الديني الكبير، وإن نصحنا بعض الناصحين الذين نثق فيهم بأن مثل هذه القضايا ستجعل للصغار قيمة وهم في ميزان الرجال لا قيمة لهم.

تابعت تلك المبارزة العلمية بين فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف مع الأستاذ الدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة والتي كانت في مؤتمر الأزهر لتجديد الخطاب الديني؛ للأسف لم أتمكن من متابعة الندوة على الهواء مباشرة، ولكني وجدت سيلا من الأخبار عنها في مواقع التواصل الاجتماعي، احتفى في هذه الأخبار الغالبية العظمى بموقف شيخ الأزهر، ووصفوه بالبطل الذي لا يرضى للدين إلا أن يظل مصانا من كل تغيير أو تبديل أو تجديد، وإن اتفقنا مع الوصفين الأولين، فإننا لم نر أن الرجل يرفض التجديد، بل إن المؤتمر الذي أقامه شيخ الأزهر تحت رعاية كريمة للسيد الرئيس عبد الفتاح السيسي جاء لأجل التجديد، وهو ما يؤكد أن مولانا شيخ الأزهر الشريف يؤمن بأنه ضرورة يفرضها الواقع وتحتمها الوقائع، ومن هنا فإن ما تم نشره وتداوله زورا وبهتانا وتزييفا لكلام مولانا من أنه قال للأستاذ الدكتور محمد الخشت رئيس جامعة القاهرة أن "التجديد يكون في بيت أبوك وليس في الدين" عار من الصحة حيث جاء نص كلام مولانا شيخ الأزهر الشريف على هذا النحو: التجديد يا سيدي في بيت الوالد يكون في بيت الوالد، ويكون بدل ما يكون طوب أخضر أو لَبِن أعيده مرة أخرى بما يناسب أنماط البناء المعاصرة.
هذا الذي يعكس مفهوم التجديد عند شيخ الأزهر، فهو يريد أن نجدد في التراث، وليس أن نلغي كل التراث؛ بمعنى أن ننظر في التراث ونأخذ منه ما يناسب العصر، ونترك ما تجاوزه العصر، هكذا نفهم هذه الإشارة في كلام الرجل الذي جاء ردا على مثال الدكتور الخشت الذي قال في نص كلمته: إنني أحب بيت أبي القديم لكنني لا أحب أن أعيش فيه، وأقدر تراثنا القديم لكنني أحب (أنا وغيري) أن نصنع تراثا جديدا نعيش فيه؛ فهم رجال ونحن رجال، وهم أصحاب عقول ونحن أصحاب عقول.
والذي يرى يدعو إلى تجاوز للماضي، لكنه ليس التجاوز بالمعنى المتداول المعروف الذي يعني الإلغاء والحذف، بل الذي يعني التضمين للعناصر الإيجابية والحية من التراث مع المتغيرات والعلوم الجديدة والوصول إلى مركب جديد يعيد مجد هذه الحضارة العظيمة وفق شروط عصر العلوم الكونية دون الخروج من الهوية الصافية".

وأود أن أقف هنا عند شيئين ذكرهما فضيلة الإمام الأكبر في معرض رده على رئيس جامعة القاهرة: الأول وهو هل الصواب متعدد أم مطلق والذي اتخذ فيه الشيخ أحمد الطيب كتاب الدكتور الخشت مثالا: قائلا له إن كنت تعتقد أن متوفي هذا الكتاب مطلقا فقد سقط مذهبك، وإن كنت تشك فيه فحينما تتأكد من صحته يمكنك أن تهديه لي.
ونعود لما قاله الدكتور محمد عثمان الخشت في هذا الصدد لنعلم ماذا يريد الرجل، فالأكيد وأنه يسطر الكتاب كان يظن أنه حق كل الحق! وإلا لما كتبه، ولكنه في ذات الوقت لم ينزع الحق عن كاتب آخر يقوم يسطر كتاب آخر، هذا ما نجده عند الرجل - في تلك الكلمة التي أعدها قراءتها أكثر من مرة - حينما قال: إننا لن نستطيع أن نجعل إنسانا متسامحا وهو يعتقد أنه يملك الحقيقة المطلقة ويجزم بأن الآخرين على باطل، هنا ندرك بأن الرجل لا يؤمن بأن ما كتبه حق، ومع ذلك أكد أنه قابل للمراجعة.
أما ما فهمته أنا من فضيلة الإمام الأكبر بأن المسيحي أو حتى الملحد إن شك في صواب معتقده فقد فسد؛ فهذا صحيح، ونحن نتفق معه، ونقطع بأن الدكتور الخشت وغيره لا يمكن أن يطالبوا المسلم بالشك في معتقده، هذا لم يكن الموضوع، بل عدم التسامح الذي ينشأ من فكرة امتلاك الحقيقة المطلقة، هذا ما نفهمه من صدى الصوت عند رئيس جامعة القاهرة وليس من الصوت المباشر.
أما المحطة الثانية التي أريد التوقف عندها؛ فهو ما ذكره مولانا شيخ الأزهر الشريف في معرض اعتزازه بالتراث وقيمته الغالية؛ حيث ذكر أن هذا التراث استطاع أن ينقل - في ثمانين عاما- مجموعة قبائل بدوية بدون أية حضارة ليضعوا قدما في الأندلس وأخرى في الصين: ونحن هنا حينما نتأمل ما قاله شيخ الأزهر - بغض النظر عن المحاورات بشأن ذلك بين ما يراه غزوا وما يراه فتحا-نجده يتفق والطرح الذي ينادي به الدكتور محمد الخشت بالعودة إلى النبع الصافي للدين: القرآن الكريم والسنة النبوية الثابتة، حيث أن التراث المطالب النظر فيه هو ذلك المدون، هذا التدوين الذي لم يبدأ إلى في نهاية القرن الثاني الهجري. 
ومن ثم فإن التراث المراد تجديده إنما جاء بعد التدوين، بل لقد حدد الدكتور الخشت التجديد في العلوم الدينية التي ظهرت بعد عملية التدوين بسنوات طويلة. حيث قال الخشت، إن "الواقع الحالي الذي نعيشه يوضح حتى الآن أن العلوم الدينية التي نشأت حول النص الديني تجمدت وابتعدت عن مقاصده، وتم تحويل النص الديني من نص (ديناميكي مفتوح) يواكب الحياة المتجددة، إلى نص (استاتيكي جامد) يواكب زمنًا مضي وانتهى".
وأضاف أن "القرآن الكريم نص مقدس مرن حمّال أوجه في كل العصور، ويواكب المتغيرات المعاصرة والمتجددة، وهو ما يتضح من خلال نزول القرآن على مدار ثلاثة وعشرين عاما، ومع ذلك نجد الآن أن المفاهيم التي نشأت حول القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة تجمدت وتحولت إلى نص ثابت".
وتابع أنه "لا بد من فتح باب الاجتهاد المتجدد حول المتن المقدس في كل العصور، ومن ناحية أخرى، نجد أن الإصلاحيين المعاصرين لم يقوموا بالعودة إلى الكتاب في نقائه الأول، بل عادوا إلى المنظومة التفسيرية التي أنتجتها ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية لعصور غير عصورنا، وعدوا كل الكتب القديمة هي كتب مقدسة، وهي تمثل المرجعية النهائية في فهم الدين، مع أنها في النهاية هي عمل بشري قابل للصواب والخطأ".
إذًا الرجل لم يقصد غير ما قصده شيخ الأزهر وهو العودة إلى النبع الصافي في القرآن الكريم والسنة النبوية التي كان يسير عليها هؤلاء الذين وضعوا قدما في الأندلس وأخرى في الصين في ثمانين عام كما حددها شيخ الأزهر الشريف. 
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط