الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مَنْ أَقوى مِنَ الكُورُونا؟


نال فيروس كورونا من الكتابات والتحليلات كمًا هائلًا لو حملته تيتانك لغاصت في الماء قبل أن تتحرك من ثقل ما حملت. وقد نشرت منظمة الصحة العالمية وغيرها من الهيئات الدولية الكثير عن هذا الفيروس ومكوناته وبيئته وأعراضه وطرق الوقاية منه، حتى أني صرت أُحدث طلابي عنه كما لو كنت طبيبًا. 


وأود أن أتساءل: هل البيئة المصرية بطبيعتها البسيطة التي ندركها تمامًا بمنأى عن انتشار الفيروس؟ فمقابض الحافلات وكراسيها ونوافذها حدث ولا حرج، والمارة يبصقون على الأرضيات بلا مبالاة، ورذاذ العاطس يتطاير حولك. أما عربات الفول المنتشرة هنا وهناك تحت أعين رجال البلدية، فمصدر التلوث بها يُخرج لنا لسانه كل صباح، حين نرى مساعد الفوال وهو يغسل الأطباق المستخدمة في دلو مجاور، اختلط فيه لُعاب البشر ببقايا الطعام مع قليل من الماء الآسن. 


أما عن سلوكياتنا العامة فحدث ولا حرج، فالناس–لاسيما في المحافظات والقرى-يعتقدون أننا في أجازة عيد الفطر، فتمضي الحياة بهم وكأننا في نزهة خلوية، غير مبالين بالطامة التي حلت بنا ولا بتعليمات أجهزة الدولة، وأصبحت أيدينا على قلوبنا خشية تعقد الموقف، الذي لا يزال تحت السيطرة حتى الآن.


وبرغم هذا يكتب البعض تغريدات عنترية تقول مصر أقوى من الكورونا. ألم تخبركم كتب التاريخ بالمجاعات والأوبئة التي حلت بمصر عبر تاريخها؟ ألم تقرأوا عن الشدة المستنصرية التي طرحت آلاف الجثث في شوارع القاهرة لا تجد من يواريها الثرى؟ ألم تقرأوا عن وباء الكوليرا الذي انتشر بمصر نهايات القرن التاسع عشر وحصد ما يقرب من ستين ألفًا من أبنائها الطيبين؟


ربما كان المعنى المقصود بذلك الشعار هو أن مصر جاهزة تمامًا للتعامل مع كورونا، خاصة وأنها نجحت في القضاء على كثير من الأوبئة والأمراض الفتاكة التي كانت فيما سبق أمراضًا مستعصية، مثل الطاعون والسل وشلل الأطفال، مثلما نجحت في السيطرة على البلهارسيا وعلى فيروس سي الكبدي. 


بيد أننا أمام طريق طويل للقضاء على الأمراض التي أصبحت خطورتها تعادل أوبئة القرون الخالية، فالأمراض السرطانية والفشل الكلوي لا تزال من الأمراض الخارجة عن نطاق السيطرة. فهل خرج من بيننا من قال مصر أقوى من السرطان أو الفشل الكلوي، الذي يعاني منه مئات الآلاف؟ بالطبع لا، لأننا ندرك جيدًا الأسباب التي أدت إلى تفشي هذه الأمراض بيننا في العقود الأخيرة، مثلما ندرك تمامًا أن المشافي المخصصة لعلاج المصابين بهذه الأمراض لا تستوعب أعدادهم لمداواتهم جميعًا في آن واحد.


ونأتي إلى سؤال جوهري: هل لدى شعبنا ثقافة طبية كافية؟
تملك غالبية الشعب ثقافة الطب الشعبي والتعاويذ؛ فمن يشعر بألم في رأسه يجد الوصفة بين يديه، ومن يشعر بمغص معوي نغلي له عُشبة، ولو زاد الألم توجهنا للصيدلي ليصرف لنا ما يخفف ألامنا دون حاجة إلى طبيب، وقد نعرج على العطار لننال قدرًا من خبرته عَلَّها تشفي.  


وعلى الطرف الآخر، نجد البعض لديه ثقافة طبية محدودة، فذات يوم من أيام طفولتي كنت أرى صديقًا لوالدي قد افتتح غرفة في مدخل منزله لعلاج المرضى وإجراء بعض الجراحات البسيطة وخياطة الجروح، مما جعلني أعتقد أنه طبيب. والواقع أنه كان شغوفًا بالثقافة الطبية، في وقت كان أغلب أبناء بلدتي لا يملكون القدرة على دفع أجرة الطبيب، مما دعاهم للتداوي عنده.


الواقع يقول يا سادة أن الأمراض والفيروسات علمٌ، له علماؤه الذين يبذلون جهدًا مضنيًا لمعرفة خصائصها وطرق القضاء عليها؛ وبين فينة وأخرى يكتشف هؤلاء العلماء أنهم عاجزون -رغم علمهم- أمام قدرة الله اللانهائية، القائل لهم:"وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا".


علينا إدراك أن العلم وحده هو طوق النجاة الأوحد، وليس الشعارات والهتافات؛ مع ضرورة الأخذ بالأسباب التي تجعل المرء مالكًا لأدوات النجاة من الأهوال التي لاحت في الأفق، أما التي احتفظ بها الله عز وجل في غيبه فعلينا الإنتظار حتى نشهد وُلُوجها حين يُؤذَن بخروجها. ويكفينا ما قاله أحمد شوقي: 
بِالعلمِ والمَالِ يَبني النَاسُ مُلكُهمُ...لمْ يُبنَ مُلكٌ عَلى جَهلٍ وإقلالٍ


المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط