الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المؤامرة بین "العلم" و"الخرافة"


انشغل الملایین حول العالم ـ شرقًا وغربًا ـ في البحث عن أسباب تفسیر تفشي فیروس "كورونا"، واشتعلت 
وسائل التواصل الاجتماعي بتحلیلات وتفسیرات وتأویلات وآراء تھدف جمیعھا إلى إثبات فكرة المؤامرة 
في تفشي الفیروس. 

واللافت ھذه المرة أن العالم قد انقسم إلى قسمین، الأول معاد للصین ویرى أنھا مصدر 
الوباء وسبب انتشاره من أجل تحقیق مكاسب اقتصادیة ھائلة ولو على حساب التضحیة بالملایین من أبناء 
شعبھا (!) والثاني یرى أن الولایات المتحدة الأمریكیة ھي مصدر الفیروس بھدف القضاء على أعدائھا 
وخصومھا الاستراتیجیین مثل الصین وإیران وحتى من لا ترضى عنھا من الحلفاء الأوروبیین مثل ایطالیا 
وفرنسا والمانیا!

التفكیر الشعبي في ھذا الأمر لم یبتعد كثیرًا عن التفكیر الرسمي، فقد تراشق الخطابات الرسمیان الصادران 
عن بكین وواشنطن باتھامات متبادلة بالمسؤولیة عن تفشي الفیروس، ماأسھم في تغذیة وانتشار نظریة 
المؤامرة وأسھم في اشتعال الجدال بین الفریقین عبر وسائل الاعلام والسوشیال میدیا.

والیوم، یأخذ تفكیر المؤامرة بعدًا لافتًا بدخول الرسمیین على خط حدیث المؤامرة، فالخارجیة الصینیة 
تؤكد، من خلال حقائق تزعم امتلاكھا، أن الولایات المتحدة ھي المصدر الأساسي لفیروس "كورونا"، وأنھا 
تعمدت نشره في الصین من خلال عملاء وكالة المخابرات المركزیة الأمریكیة (سي آي أیھ)، وقد استفاض 
المتحدث باسم الخارجیة الصینیة تشاو لي جیان، في الحدیث عن "اثباتات" تقول إن الفیروس تمّ اختِراعھ 
وتطویره من قبل عُلماء أمریكیین عام 2015 ،وأن مجلة Medicine Nature الأمریكیّة أكدت في بحثٍ 
نشرتھ في أحد أعدادھا في العام نفسھ أي عام 2015 ،أن علماء في الولایات المتحدة تمكنوا من الحصول 
على نوعٍ جدید من فیروس كورونا لھ تأثیر خطیر على الإنسان، وقال إن جنودا أمریكیین شاركوا في دورة 
الألعاب العسكریة العالمیة التي جرت في مدینة ووھان التي تنافس فیھا 10 آلاف عسكري من مختلف 
أنحاء العالم في أكتوبر الماضي، ھم الذین نقلوا الفیروس إلى ھذه المدینة. 

وفي الرد على ھذه الاتھامات، قالت الولایات المتحدة إن الصین قامت بتصنیع ھذا الفیروس في أحد معاملھا في مدینة ووھان، وتسرّب منھا إلى المدینة، بل وصف الرئیس الأمریكي دونالد ترامب "كورونا" بالفیروس "الصیني" وعاد وكرر كلامھ وتمسك بھ.

على الجانب الآخر، اشتعلت صراعات السوشیال میدیا، التي تنتصر لأي من وجھتي النظر، الصین 
والولایات المتحدة، ولكن الحقیقة أن كل مایزعم أصحابھ أنھ أسانید ودلائل لیس سوى استدعاءات لوقائع 
سابقة قد لا یكون لھا علاقة وثیقة بما یجرى عالمیًا، ولكنھا محاولات لوصم طرف ما بالتآمر عبر استدعاء 
أحداث تاریخیة بعضھا صائب، وبعضھا لا یزال في طور الادعاءات والمزاعم، أو التحلیلات في أحسن 
الأحوال والظروف!

في منطقتنا العربیة، تشھد الأقاویل التآمریة رواجًا ھائلًا، وھناك صراع واضح على إثبات كل فریق لصحة 
رؤیتھ، رغم أن مصدر الفیروس لیس ھو المعضلة الآن في ظل حالة التفشي العالمي للفیروس وما یصاحب 
ذلك من ھلع وقلق بالغین، ولكنھا ربما أصبحت فرصة للجدال والسجال في ظل حالة الفراغ التي ترافق 
الحجر الصحي الذي تعیشھ الكثیر من الشعوب لمحاصرة انتشار ھذا الوباء.

ورغم كثرة الحدیث عن ھذا المفھوم وسعة انتشاره عالمیًا خصوصًا في أوقات الأزمات، فإنھ من الناحیة 
العلمیة لیس ھناك ما یسمى بنظریة المؤامرة، بل ھناك تفكیر أو تحلیل تآمري، وھذا الأمر لھ أنصار واتباع 
بالملایین حول العالم، ولیس ھناك فارق في ذلك بین شعوب غنیة وأخرى فقیرة، ولا بین شرق وغرب، ولا 
شمال وجنوب، ففي بعض الأحداث ـ كما ھو حاصل حالیًا ـ یكون الكل في الدفاع عن وجود "مؤامرة" 
سواء! 

ورغم انتشار فكر المؤامرة، ربما بدرجة تفوق أي نظریة علمیة حقیقیة في مجال العلوم السیاسیة، وقد 
یعود ذلك لكونھ تفكیرًا عامًا ولیس تنظیرًا نخبویًا، فإن ھذا الفكر یبدو متھافتًا في جمیع الأحوال، ویتناول 
وجھًا واحدًا من الحقیقیة وینھار أمام أي نقاش منطقي جاد، ولا یقدم ردود مقنعة حول أسبابھ ودوافعھ، فھو 
یدافع فقط عن وجھ أو جانب واحد من الحقیقة، فھو بالأخیر عبارة عن توجھ أیدیولوجي أو سیاسي أو حتى 
انحیاز عاطفي أكثر مما ھو فكر علمي، وھو فكر قدیم لا یرتبط بعصرنا الحدیث بل یعود إلى عقود طویلة 
مضت، فھو یرتبط بالتفكیر الانساني ولیس التفكیر العلمي، ولكنھ ـ للحقیقة ـ یشیع في منطقتنا العربیة بشكل 
كبیر وینحو إلیھ الكثیرون في تفسیر كل حدث أو خبر، ما دفع بعض المتخصصین للربط بین ھذا التفكیر 
ومعاییر مثل مستویات التعلیم والوعي وغیر ذلك.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط