الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عصا السلطة الغليظة تحمي المستهتر من نفسه




إن الوعي ما هو إلا نتيجة حصيلة المعارف التي يتحصل عليها الإنسان، بعدما يخضعها لعقله النقدي ليتعرف من خلاله على صواب تلك المعارف من خطأها، أو صحتها من فسادها.

لقد كشفت أزمة الفيروس كورونا عن عدم وعي كبير على مستوى قطاع ليس صغير من أبناء الشعب المصري. ففي اللحظة التي تعمل الدولة بكل طاقتها للسيطرة على الفيروس، وفي اللحظة التي تعبّئ فيها الدولة كل مؤسساتها لمواجهة وباء عالمي، كان الحس والوعي الشعبي بعيدا لدرجة هائلة عن الخطورة المحدقة بالعالم والوطن.

والمتابع عن كثب لأزمة فيروس كورونا على مستوى العالم، يدرك كم هو عمق وكم هي خطورة الأزمة التي تفاعلت معها شعوب دول العالم المتقدم بما يليق من الأهمية، والتي تفاعلت بإيجابية هائلة مع ما اتخذته حكوماتها من إجراءات احترازية، فالتزمت بها التزام الجندي في المعركة بأوامر قائده الذي يعلم ما لا يعلمه الجندي والذي يدرك ما لا يدركه الجندي والذي يضع الخطط بما يناسب ظروف المعركة، إلا الشعب المصري الذي تعاطى قطاع غير قليل منه مع القضية بنوع من اللامبالاة العجيبة الغريبة.

لو حاولنا أن نضع بعض النقاط على الحروف لوجدنا مشاهد تعكس أزمة وعي كبيرة عند هذا القطاع الذي نتحدث عنه، فحينما سافرت السيدة وزيرة الصحة إلى دولة الصين الصديقة المنكوبة لدعم هذه الدولة دعما إنسانيا: انقسم المصريون إلى فريقين: فريق يرفض الزيارة لأنها ستكون سببا في انتشار الفيروس في مصر، وآخر ينقل الزيارة من معناها الحقيقي إلى معنى آخر وهو أن مصر - علماءها- قد ابتكرت علاجا لفيروس كورونا وأنها ذاهبة لتسليم الصين هذا العلاج.

الفريق الأول نوعان: نوع لديه خوف حقيقي ولكنه غير مبرر، لأن سفر وزيرة الصحة لا يمكن أن يكون بحال سببا في نقل الفيروس، فمثل هذه الزيارات لموطن الوباء يكون بها من الاحترازات والاحتياطات ما يجعل نقل الفيروس مستحيلا، والنوع الثاني استغل سفر الوزيرة هالة زايد ليوجّه الهجوم للدولة المصرية لأنه يبحث عن أي سبب لينال من الدولة ومؤسساتها وهذا النوع معروف بحقده وكرهه لمصر، ولا يعنيه مصر من قريب أو بعيد، بل ربما تنتابه الفرحة لو استشرى المرض في مصر.

الفريق الثاني هو كله نوع واحد، وهم هؤلاء العاشقون لمصر ولكل ما يصدر عنها، وهم المؤمنون بقدرات مصر إيمان مطلق، ويضعون مصر فوق كل الدول بعاطفتهم النبيلة وعشقهم لها، ولكن هذا يدفعهم أحيانا أن يتجاوزوا المنطق، كما تجاوزوا الفارق في القدرات العلمية والبحثية والمادية بين مصر والعديد من دول العالم ومنها دولة الصين التي خطت خطوات هائلة علمية وتكنولوجية. هذا لا يعني أننا نرفض أن تخترع مصر دواء لهذا الفيروس فعلماؤنا قادرون على ذلك، ولكن رفضنا كان للاستدلال الذي لا يستطيع أن يقف على قدمين، بل لا يستطيع أن يحبو، خاصة مع إعلان السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي عن الغرض من الزيارة في وضوح كامل. وهو مساندة ومساعدة ورسالة محبة من شعب مصر إلى الشعب الصيني المنكوب.

ولأنه هو الرئيس عبد الفتاح السيسي بما يملك من قيم الشهامة والمروءة، ولأنها هي مصر الكبيرة العظيمة جاء دعم ومساندة مصر مختلفا بإبعاث مسؤول في حجم وزيرة الصحة مع هدية شعب مصر للصين! هذا هو الفرق بين مصر العظيمة وغيرها.

نعود إلى هذه المشاهد القادمة من القاهرة والأقاليم المختلفة والتي تعكس عدم إحساس جزء من الشعب المصري بحقيقة الأزمة؛ فحينما تصدر تعليمات عن وزارة الصحة بضرورة التزام البيوت، لأن ذلك هو السبيل الوحيد لعدم انتشار الفيروس، ونجد الأسواق تقام والازدحام في الشارع مثلها مثل أي وقت لا يوجد فيه أزمة، وحينما يصدر قرار من السيد وزير التعليم بتعديل الدراسة ذلك الذي لا يحدث في أية دولة إلا في تلك الظروف الاستثنائية وفي الأزمات الكبرى، ونجد هذه المناظر في الشوارع، ونجد تلك المشاهد من مثل أن تغلق بعض المجموعات على أنفسها مقهى ضيق في تهوية تكاد تكون معدومة ليدخنوا "الشيشة" فهذا يؤكد أن هناك خللا هائلا في الفهم عند هؤلاء، وحينما يتحايل بعض أصحاب القاعات لإقامة حفلات الزفاف أو غيره، فهذا يؤكد أن تلك العقلية غير مدركة للواقع الذي تعيش فيه، كما يعكس أمرا غاية في الأهمية والخطورة والذي يجب أن يتم البحث فيه بجدية على عديد المستويات، وهي تلك الرغبة الملحة لدى قطاع كبير من أبناء الشعب المصري على مخالفة كل ما يصدر عن السلطة، في ذات الوقت الذي ندعو السلطة لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لتنفيذ التعليمات بإلزام الشعب بها إلزاما، إن ما لا يأتي بالتعليمات المباشرة يأتي بعصا السلطة الغليظة، التي يجب أن تلوح بها، بل تستخدمها الآن لمواجهة قطاع من الشعب أثبت أنه لا يعرف لنفسه مصلحة، ولا يستطيع أن يحمي نفسه من نفسه.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط