قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

لجان شعبية لإسقاط مصر


لم يتبقَّ من مصر بعد بضع شهور فقط من حكم الجماعة الخارجة عن القانون إلا أشلاء دولة تحتضر، وتلفظ أنفاسها يوما بعد يوم في كل مناحي الحياة. ولولا أن بتلك الدولة شعبا لازال يتمسك بها لكانت انهارت بالكامل قبل ذلك بشهور، حيث أجهزت تلك الجماعة بنظامها القائم وحلفائها وأتباعهما على كافة مؤسساتها بدون استثناء، ولم يتبقَّ بها سوى الجيش مؤسسة مستقلة، هي حائط الوطن الأخير.

وقد بدأت تلك الجماعة وأتباعها فعليا في محاولات جادة لهدمه أيضا، حيث يتخوفون من وجود أي مؤسسة قائمة ومستقرة، ويعتبرون أي مؤسسة في مصر هي بالضرورة ضدهم، أو خصما من حسابهم، ولو لم يتبقَّ فيها غير الشعب لحاصروه وهدموه أيضا، خوفا من انقضاضه عليهم، حيث لازالوا محاصرين بالمرض الذي لا يرجى برؤه، وهو التخوف من كل شيء لا يدين لجماعتهم بالولاء، باعتبارهم جماعة اعتادت العيش تحت سوط الأنظمة، ويملأهم الرعب والخيفة من وجود أي مؤسسة في مصر ليست تحت سلطتهم، حيث يعني ذلك لهم بالضرورة الانقلاب عليهم، حتى أن الشعب الذي على وشك أن يفعلها، يستعدون له بالسلاح والميليشيات والتحالفات السرية والعلنية مع جماعات الإرهاب المحلية والدولية باعتبار حربهم القادمة ستكون مع شعب مصر، بعد أن يسقطوا كل مؤسساته، بينما القوات المسلحة فمازالت في مقاعد المحايدين، أما الوطن فيتهاوى وحيدا قطعة قطعة.

فالشرطة التي اختارت لنفسها خانة جفاء الشعب والوطن، بغرامها المرضي بأحضان أي سلطة، رغم مناشدات الشعب لها بعد الثورة بأن تعود لخانة الوطن والوطنية، من خلال الدفاع عن مصر وشعبها، كما فعل قدماؤهم في 25 يناير من العام 1952م، وليس التعامل باعتبارهم قوات احتلال، أو ميليشيات تعمل لصالح من يدفع لهم رواتبهم ويمنحهم امتيازات تجعلهم فوق كرامة الشعب ودمائه. الآن في ظل الاحتجاجات التي ينظمها منسوبو "الداخلية" في عموم الجمهورية، يتوجس كثير من الناس من نواياهم فيها ومطالبهم منها، حيث فقدوا الثقة في كل شيء يخصهم، فليس هناك من هو متأكد أن تلك الاحتجاجات حقيقية لصالح الشعب والوطن، أو هي ضمن خطة للإطاحة بما تبقى من الدولة لصالح النظام وجماعته غير الشرعية، أو لتهيئة المناخ وإفساح المجال لهم لسيطرة ميليشياتهم على الأمن، من أجل قمع الناس بالناس، والشعب بالشعب، الذي بات وحيدا في وطن لا تبدو فيه دولة ولا قانون ولا نظام حاكم، ولكن جماعة وأتباع ينفذون مخططا، تؤكد كل ملامحه انه معادٍ لهذا الشعب وهذا الوطن.

وما يؤكد مخاوف الناس وشكوكهم وتوجسهم من أن مؤامرة ما تدبر ضده لقمعه وقهره وقتله وتجويعه وتخويفه وإرهابه، هو ظهور تلك الدعوات المشبوهة حول تقنين الميليشيات، عبر "اختراع" قانون لإيجاد شركات أمن مسلحة، بالتزامن مع دعوات بعض الجماعات اليمينية المتطرفة لإنشاء ما يسمى "لجان شعبية" في المحافظات، وقد فعلوا ذلك فعلا في أسيوط، ويسعون لتكرار التجربة في القاهرة وبقية المحافظات.

ومن عجائب تلك الجماعات ومن يدعون من خلالها لتلك الميليشيات، أنهم أكثر من قتل المصريين منذ ظهورهم في السبعينات وحتى الآن، حيث اشتهروا بالقتل والتفجيرات والاغتيالات والسلب والنهب تحت مسمى "الاستحلال" تارة، والجهاد تارة أخرى، ولازالوا حتى الآن يهددون الناس بالقتل في كل مناسبة، ويذكرونهم بتاريخهم في ذلك، فلا تمر وقفة أو تجمع لهم في أي أزمة، إلا ولوحوا بالعنف، وذكّروا معارضيهم بأنهم محترفون في هذا النوع من العمل المسلح، وهددوا المجتمع بالثورة ضده، وهو ما أطلقوا عليه بالباطل "ثورة إسلامية"، والتي لا يقصدون منها الإسلام الذي نعرفه بالتراحم ومكارم الأخلاق، ولكنهم للأسف يهددون الناس به، بدلا من أن يبشروهم بدولة العدل والإنصاف والرحمة في ظله، حيث يقصدون ذلك "الإسلام" الذي يفهمونه هم؛ وهو استباحة الدماء، واعتبار القتل جهاد، والقتلى كفار لأنهم معارضون، ومن قُتل خطأ على أيديهم فديته صيام شهرين.

ويكفي أن نعرف أن أسيوط، التي أعلنوا سيطرتهم على أمنها منذ يومين، هي نفسها التي حاولوا احتلالها من قبل في بداية الثمانينات، وحررتها الدولة آنذاك بالطائرات وقوات الصاعقة، ولا يخفى ما يحمله ذلك من دلالات. بل أن من يتولى الدعوة لتشكيل ميليشيات بمسمى "اللجان الشعبية"، هو نفسه من قتل 118 شرطيا مصريا في أسيوط عام 1981م، وهي التي يدعي حمايتها الآن، وقتلت جماعته ما يزيد على 400 مواطنا، وأكثر من 100 سائح في حوادث متفرقة.

ولا يبدو جديدا سعي تلك الجماعة الخارجة عن القانون، التي تحكم في مصر الآن، إلى إيجاد دور لميليشياتها منذ انتفاضة يناير وحتى اليوم، حيث دفعت بهم في غير مرة لمواجهة الناس والمتظاهرين في الشوارع، والثوار في التحرير، ولوحت باستخدامهم مرات أخرى، وكأنها تعاني من فائض قوة، كالذي تعاني منه بعض الأنظمة عقب الحروب، فتلك القوات أو الميليشيات التي تشارك في حروب أو أعمال عنف، يصبح لقادتها رغبة في الظهور واقتسام السلطة.. وبالفعل حاولت الجماعة إخراجهم أكثر من مرة لتفرضهم على الناس كأمر واقع، ولكنها فوجئت برد فعل شديد العنف من الشعب، وصل إلى حد إراقة الدماء في أحداث الاتحادية، وما سبقها من أحداث متفرقة على مستوى الجمهورية.

منذ أن دشنت الجماعة عمل ميليشياتها علنا من خلال ما أسموه آنذاك حماية مجلس الشعب المنحل، ثم بعدها بمحاولة فض مظاهرة "جمعة كشف الحساب" بالقوة، وهدم المنصة والاعتداء على المتظاهرين في ميدان التحرير، وهو ما أسس لحقبة العنف في الشوارع منذ ذلك الحين، وكذلك فعلوا في تهديد المحاكم في قضية تزوير بيانات المرشح الرئاسي أبو اسماعيل، ثم حصار المحكمة الدستورية ومدينة الإنتاج الإعلامي، وتهديد وزارة الداخلية وسب وزيرها علنا، ومحاصرة النيابة العامة وإجبارها على إطلاق سراح أحد عناصرهم الذي ضبط بحوزته سلاح آلي، وغيرها العديد من الحوادث التي أسست لحقبة اللاقانون والفوضى وهدم القضاء، ناهيك عن قرارات الرئيس المنتهكة للقانون والدستور.

وفيما يبدو أن رسالة العنف التي أرسلها الشعب ردا على محاولات فرض نظام الميليشيات عليه، وردا على هدم القانون، لم تجد من يفهمها حتى الآن، ويبدو أن محاولاتهم المستمرة لن تنتهي إلا باحتراب أهلي واضح، يتصدى فيه الشعب بكل ما يملكه من وسائل لتلك الأقلية التي تسعى لاختطافه وتخويفه، وفرض سطوتها عليه بالقوة، وربما تنتهي بفرض الإتاوات عليه مقابل الحماية، كما تفعل الميليشيات في العديد من الدول الساقطة.

وليس غريبا ولا مستغربا، أن يصمت من يعتبر نفسه مسؤولا عن الدولة إزاء محاولات الإجهاز على ما تبقى منها، فهو لم يحرك ساكنا من قبل، إزاء كل ما يدور على أرض الوطن، وكأنه لا يعنيه، أو وكأن ما يدور ضمن خطة مسبقة التجهيز، تنفذها جماعته وأعوانها، بل ويشارك فيها النظام نفسه، بتهيأة المناخ لإسقاط الدولة، عبر السماح بإشاعة الكراهية في كل مكان فيها، وإهمال شعبها، وإسقاط قوانينها، وعدم الحفاظ على مؤسساتها الراسخة.