الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سنة الابتلاء


لعل حالنا وحال العالم الآن ومآلنا لا يخفى على أحد، وصدق ربنا القائل تعالى: "قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ}، فالكل في ذهول، لا يعرف ماذا يفعل أمام هذا الجندى الإلهى -فيروس كورونا- الذى لا يرى بالعين المجردة، وها هو سبحانه يرينا قدرته التي شكك فيها الكافرون والملاحدة: "إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِين"، وها هي بالفعل أعناقهم خاضعة للرب العلى القادر الذى يوقظهم على أمره وقدرته، بعد ظنهم أنهم قدروا على الكون والبشرية بعلمهم وتكنولوجياتهم الزائفة: "حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ".

المتأمل فيما نحن والعالم كله فيه الآن يدرك يقينا أن هذا الابتلاء إنما نتاج وفعال أيدينا، وما اقترفناه من معاص ومآثم وذنوب لا حصر لها، يسوقه ربنا الرؤوف الرحيم لنتعظ، ونعتبر ونعود إليه تائبين، منيبين، متضرعين، ساكبين وهاطلين دموع الندم والحسرة على ما فرطنا من أعمارنا وعافيتنا فيما يغضبه، ويستجدى عذابه وعقابه، وللأسف يقرر تعالى حقيقة سنة الابتلاء: "فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ"، ومع هذا يقابله الكثير من السفهاء الجاهلين، الحمقى، بالاستهزاء والاستهتار والاستخفاف بالفيروس، مرددين أغان سفيهة مثلهم، تدعو لشرب الخمور والحشيش، ثم الخروج في مسيرات متخلفة تخاطب الفيروس، وكأن ما أرسله الله سبحانه لنا وللعالم أجمع لا يكفى لاتعاظهم وردعهم.

وحسنا فعلت دار الإفتاء المصرية حين أصدرت بيانها بأن أي دعوة لتجمع المواطنين الآن في الشوارع وفي أي مكان وتحت أي شعار وبأي ذريعة، هي دعوة خبيثة وحرام شرعا، ولا يراد بها وجه الله، وأن الالتزام بما تقرره السلطات المختصة لحماية الناس من الأوبئة والأمراض واجب شرعي ووطني ومن يخرج عن هذه الإجراءات تحت أي ذريعة آثم شرعا.

سبحان فاطر السموات والأرض الذى بجند واحد من جنوده يجبر أقوى الدول بجيوشها وتكنولوجيتها وتقدمها على المكوث في بيوتهم، لا حول لهم ولا قوة، فتغلق كل فنادق لاس فيجاس بأمريكا، أكبر نوادي القمار في العالم، وتغلق شوارع وحانات الدعارة بأمستردام بهولندا، التي يتجاوز دخلها العشرة مليارات دولار في العام، وتجبر كل دول العالم بإغلاق نوادي العراة والشواذ وأنديتهم الليلية وحاناتهم، ويعلن الرئيس الأمريكي المتغطرس ترامب تخفيض سعر الفائدة إلى صفر، أي إلغاء الربا،-ما يدعو له إسلامنا- وخسارة بورصة الأسهم لديهم خلال أسبوعين فقط 16 ترليون دولار، والآن لا همّ للذين ظنوا أنهم قادرون عليها، والجبابرة والمجرمين والظالمين والمنافقين والملاحدة إلا البحث عن النجاة، وصدق ربنا: "فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ".

وفى بلادنا المسلمة أحزننا وأدمى قلوبنا ما شاهدناه قبلا من احتفاء إعلامنا بأهل الإسفاف، الداعين لشرب الخمور والحشيش في أغان هابطة، تدعو لتخريب العقيدة والأخلاق القويمة والمبادئ والمثل، وثمة نماذج عديدة لا حصر لها من أصحاب النماذج والتجارب الحميدة النافعة للبلاد والعباد لا يسمع عنهم، ولا يعرف عنهم شيء ولا عن نجاحهم، وما يقدمونه لوطنهم ومواطنيه، ثم نتعجب من غضب الله علينا! فاللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا. 
نعم يا ربنا ضاقت علينا الأرض بما رحبت، ولا ملجأ لنا منك إلا إليك، فها أنت سبحان تعاقبنا بغلق المساجد في وجوهنا، وجعل الحرمين الشريفين يبكيان معاصى عبادك، بعد أن صاروا فرادى، خاوين من المصلين والمعتمرين والذاكرين والعباد، ولا مناص لنا إلا الإنابة اليك، تائبا علينا أولا، ثم تائبين إليك بإخلاص، "حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ".

وسبحان ربنا الجاعل في كل محنة منحة، وفى كل ألم أمل، فبفضل ابتلائه هذا، تجمعت الأسر مرة أخرى، وتركنا سلوكيات وبدع سيئة وأخطاء اجتماعية كثيرة، استطعنا الاستغناء عنها بيسر، وسارت الحياة بلا توقف، وتأكدنا يقينا أن النقاب للمرأة ليس عائقا ولا مانعا للحرية بعد أن رأينا الرجال قبل النساء يغطون وجوههم بالكمامات.

وما أحرانا الآن إلا التوبة والعودة إلى ربنا، وحسن مراقبته، وعدم الاستخفاف بنظره إلينا، ورد المظالم والحقوق الى أهلها، وحب الخير للغير، والتكاتف والتكافل فيما بيننا لإخواننا المساكين والمعدمين وأصحاب العوز، والأخذ بأسباب العافية والحذر من الإصابة بهذا الفيروس، بعدم التجمعات ومخالطة الناس في الشوارع، واستمرارية نظافة البدن والبيت والمسكن والملبس، وتطهيرهم وتعقيمهم بقدر المستطاع، والتزام أوامر ونواهى علمائنا المتخصصين الصحية التي تحدّثوا إلينا عنها، لأن مخالفتنا لتعليماتهم مخالفة وإثم شرعى.

ختاما، لا نملك إلا التضرع إلى الله سُبحانه، أن يردنا إلى دينه مردا جميلا، وأن يرفع عنا وعن بلادنا والعالم البلاء والسوء، وأن يحفظنا بحفظه، وأن يكلأنا برعايته، فهو سبحانه أرحم بضعفنا، وقلة حيلتنا، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ونسألك اللهم بأنك أنت الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، أن تنظر إلينا في ساعتنا هذه، فتنزل علينا رحمة من عندك وحنانا من لدنك تغننا بها عن رحمة وحنان من سواك.. إنك على كل شيء قدير.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط